أخبِروه أنّنا لا نحتاج تهانيه. نحن نحاول تنظيف الخرا الذي وضعنا فيه هو وزملاؤه السياسيّون. من الأفضل أن يبقي فمه مغلقاً.
لا يُملّ من هذه العبارة. ولن يُملّ من هذه الترجمة نصف- المخفّفة لرسالة كابتن منتخب لبنان، وائل عرقجي، إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد محاولة الأخير استغلال الأداء الرائع الذي قدّمه المنتخب اللبناني في بطولة كأس آسيا لكرة السلة.
إنّها المرّة الأولى التي يوجّه فيها رياضيٌ لبناني رسالةً بهذا الوضوح إلى رئيس أو مسؤول سياسي. فشكراً وائل.
شكراً وائل عرقجي، على الدرس
نصّ الرسالة التي جاءت على شكل تعليق على منشور إلكتروني، درس لميقاتي وسائر أركان العصابة الحاكمة. لا دخل لكم، كمافيا، كفاسدين، كتجّار دماء، كميليشيات، كناهبي مال عام، بما يحقّقه شبّان وشابات من إنجازات. وليست هذه الإنجازات الفردية والجماعية مادة للتعويم السياسي. رياضيون ورياضيات، خارجون من العتمة، مَنحورون من وريد الانهيار إلى وريد الإفلاس، يدفعون ثمن كل ارتكابات العصابة. هو درس لميقاتي شخصياً، ولسائر زملائه في العصابة أيضاً. لا تتبنّوا إنجازاتنا. ولا تتسلّقوا ظهورنا بعد أن كسرتموها. وإن فعلتم، مجدّداً، سنطلب منكم أن تخرسوا، لا لشيء سوى لأنّكم لا تمثّلون سوى أنفسكم ومصالحكم وتسوياتكم وأزماتكم.
شكراً وائل عرقجي، على اللهجة
نحاول تنظيف خرا العصابة. لا كلمة تلطّف ممارسة هذه السلطة. إنه الخرا. خرا في السياسة، في الاقتصاد، في الطاقة، في العدل، في الثقافة. عصابة حوّلت البلد إلى مجرور، يصبّ فيه الخرا، من كل حدبٍ وصوب. من كل حزب طائفي وتيار مذهبي. من كل مقرّ رئاسي أو دار زعامَتية. لكن يبقى أنّ ترجمة رسالة عرقجي ملطّفة. المقصود، سدّ بوزك في نهاية المطاف. وطبعاً، ستصف العصابة هذا الكلام، وهذه الترجمة، بالنشاز والشطط. فمن عادات العصابة إصدار البيانات المنمّقة لتجميل الجرائم: المحاصصة تصبح الميثاقية. والتسويات تصبح انفراجات وبشائر خير للّبنانيين. الطائفية: تعايش. الانهيار والأزمات: مَصاعب. لهجتنا ولهجة وائل أوضح: إنّه الخرا.
شكراً وائل عرقجي، على عدم التراجع
بعد ساعات على الرسالة، قيل إنّ عرقجي محا تعليقه، وإنه تمّ تأديبه. لكن ذلك لم يحصل. والمعلوم أنّ بعض الرسائل غير المباشرة وصلت إلى عرقجي للتراجع. لكنّه لم يفعل. قال ما قاله، قال ما يجب قوله، ولم يتراجع. إذا كان الزعماء «خرا»، لماذا يجب التراجع عن وصفهم هكذا؟ هذا كلام الكابتن، ولا بدّ أنه يعبّر عن اللاعبين أيضاً. لا بدّ أنه ينسجم مع باقي الجهاز الفنّي. لا بدّ أنه يمثّل شعباً بكامله. عودة إلى الانتخابات النيابية ونتائجها، طبعاً. الناس اختارت العصابة مجدداً. لكنّنا وعرقجي، مصمّمون على موقفنا.
شكراً وائل عرقجي، على الأمل
حمل عرقجي، ومعه سائر أركان المنتخب اللبناني بعض الأمل. الوحش علي حيدر، الدينامو سيرجيو درويش، المحرّك إيلي شمعون، والآخرون. ومعهم جميعاً، مفاجأة الموسم، جاد الحاج. مدرّب صغير. عمره 33 عاماً. في كرة السلة، وفي أي لعبة رياضية أخرى، يمكن القول إنه لا يزال مُراهقاً. غنِمَ بطولة العرب قبل أشهر. فاز بجميع مبارياته في كأس آسيا، باستثناء المباراة النهائية. أحرج قارتَي آسيا وأستراليا، وأوقعهما في صدمة فارق النقطتين. هو العقل المدبّر. جميعهم، حملوا أملاً إلى اللبنانيين. عكس العصابة.
الوقوف وراء عرقجي وزملائه ليس من باب جرعة وطنية زائدة، وليس نابعاً من شعور بجذور الأرزة، ومَطلّ الجبل على البحر. لسنا أحفاد طائر فينيق، ولا جبّارين. نقف خلف هؤلاء اللاعبين، لأنهم خارجون، مثلنا، من عتمة العصابة. لأنهم قادرون على الجري والتركيز والتفاهم، والقيام بوظيفتهم، على الرغم من كل ما نعيش فيه من تعاسة وبؤس. وبالتأكيد، لأنهم قادرون على إخراس رئيس ومجلس إدارة عصابته.
مَنَّينا النفس بالفوز بالكأس، لضرورات الربح في زمن الظُلمة. لضرورات المعنويات. لضرورات القليل من الفرح ربّما. لكن فلنتخيّل مثلاً، لو فاز لبنان على أستراليا، وعاد الفريق إلى بيروت، وعليه زيارة الرؤساء الثلاثة. كم كان سيكون موقف ميقاتي «خرائياً» لو دخل عليه عرقجي حاملاً كأس آسيا، ليخرسه مرّة أخرى؟