جانب الطبيبات عضوات نقابة الأطباء في لبنان،
تحيّة وبعد،
يحدث أنّي ذهبت لعيادة طبيب مختصّ بآلام الظهر، يمارس المهنة منذ أربعين عامًا ويفتخر بتاريخه، بمعرفته للطب الصيني، بخبرته بالأوستوباتي، بشهاداته الأوروبية...
يحدث أنّي وثقت به، كما تثق مريضة بطبيبها، وبدأت أذهب إليه مرّة في الأسبوع كي أخضع لجلسات تدليك وإبر صينية ممكن أن تخفّف من وجع ظهري المزمن. يحدث أنه في المرّة الرابعة التي زرته بها، وبعدما كنت متمدّدة على طاولة التدليك وقد فكّ صدريتي كما يفعل في كلّ مرّة مع بداية الجلسة، قال لي: جسمك صاير حلو، هيك شادد، وضعفانة كمان. تعجّبت من كلمة حلو، فأجبته محاولة توجيه سير الحديث إلى محملٍ مهني: نعم حضرتك قلتلّي قوّي عضلات ضهري ومعدتي وأنا عم بعمل متل ما عم تقلّي لأنّه حضرتك حكيمي وبوثق فيك.
يحدث أنه تجاهل ما قلت، وأجابني حرفيًا: أنا بحب جسم المرأة هيك، المرأة يللي بعمرك. بالعشرين بيكونو بعدن فرافير وأكبر بيكونو هرهرو وراحت عليهن. قالها وهو يدلكني ويسألني في الوقت نفسه إنّ كنت أتألّم عندما يلمس فقرات ظهري.
يحدث أنه بعد بضع دقائق أصبح وجهه على مستوى وجهي وقال: ما بدّك ترجعي تتجوزّي؟ ارجعي تجوّزي بكرا ما بقى حدا بيطّلع فيك إلّا رجال بالستين سنة.
يحدث أيضًا أن عمره ستّون عامًا. فرجوته أن يتوقّف عن الكلام وأن يتوقّف عن تدليك ظهري. ولكنه تابع وبدأ يستطرد بالحديث عن زميلة له قد درست الطبّ وتابعت تخصّصها وأصبح عمرها 37 عامًا: يعني من عمرك هلّق وما نفقت وبطّل حدا يطّلع فيها غير الرجال الختايرة... وأنا كنت شبه عارية بين يديه، غير قادرة على الحركة، وحاولت تبكيل أزرار صدريتي فلم أنجح. فقال لي: الحكيم يللي بيعرف يشلّح بيعرف يلبّس كمان. فوقفت وقلت له: خلص بقى! وارتديت ملابسي سريعًا أمامه، لأن عيادته غير مجهزّة حتّى بستارة لتبديل الملابس.
يحدث أنّي صرخت في وجهه: إنت واحد ذكوري مقرف وعقليتك الوسخة هي يللي ورّثت جيلي بلد هلقد مهتري. فأجابني: وطّي صوتك.
يحدث أنّي رميت في وجهه ثمن المعاينة وخرجت إلى الشارع باكيةً، مستدركةً أنّي قد تعرضت للتوّ لتحرّش جنسي من قبل طبيبي، رجل قد أعطيته ثقة كاملة لمعالجة جسمي.
يحدث أنني ممثلة مسرحية وأن جسدي هو أداة عملي والثقة هي أساس كلّ عمل مسرحي: الثقة بالفريق الذي نعمل معه، الثقة بين الممثلات والممثلين، الثقة التي تُبنى بين متدرّبين هواة ومدرّبهم أو مدرّبتهم، الثقة أن كلّ فرد بالمجموعة يساند الآخر عاطفيًا وذهنيًا وجسديًا خلال التمارين، الثقة أولاً وآخرًا أن حرمة الجسد لا تُمس لا بكلمة «غزل» ولا بإطراء ولا بنقد. فالممثلون يعرفون تمام المعرفة كيف يدارون أجساد رفاقهم ورفيقاتهم في مشاهد العنف أو في المشاهد الحميمية. لأنّنا في المسرح نبني علاقاتنا على الثقة التامة، كذلك هو المفروض في الطبّ الذي يعتمد في الدرجة الأولى على الثقة بين الأطباء ومريضاتهم ومرضاهم، وهذا لأنّ الجسد هو المحور في المهنتين.
يحدث كلّ هذا عشية ذكرى ثورة 17 تشرين. لحظة نزلنا كلّنا إلى الشارع وصرخنا ملوى أجسامنا: ما منخاف وما منطاطي، نحنا كرهنا الصوت الواطي.
وأنا اليوم أتوجه إليكن، أنتنّ الطبيبات مصدر الشجاعة والعزم، أتوجّه إليكنّ كنساء رائدات في مجتمعاتنا الأبوية، أنتنّ اللواتي فرضنَ موقعهنّ في هذه المجتمعات، وشققن طريقهنّ رغم كلّ التحديّات والعوائق التي يمكن أن تتعرض لها النساء. أتوجّه إليكنّ لأنّي مؤمنة بقوتكنّ وقدرتكنّ على التغيير.
أتوجّه إليكنّ لأنّكن ملجأ كلّ فتاة وامرأة قد تعرّضت لتحرّش جنسي من قبل طبيبها الذي استغلّ لحظة سلطة ونفوذ على جسدها وسكتت خائفةً من الفضيحة، من ألّا يصدقها أحد، من مكانة الطبيب الاجتماعية التي تخلق حتمًا عدم توازن بين شهادتها وشهادته، الطبيب الذي أدّى قسم أبقراط يوم تسلّم شهادة الطبّ، وفيه: أقسم أن أحفظ نفسي على النزاهة والطهارة، وأن أدخل البيوت لمنفعة المرضى، متجنباً كل ما يسيء إليهم وألا أخادع أو أهتك عرضاً للنساء أو الرجال.
أتوجّه إليكنّ لأنّ الجسم الطبّي اليوم هو من أواخر أجسام الحماية في مجتمعنا، وهذا ما أثبتته أحداث هذا العام من جائحة فيروس كورونا المستجدّ، إلى تفجير 4 آب، إلى تعرّض متظاهرين ومتظاهرات عزّل إلى الرصاص الحيّ والمطّاطي.
أتوجّه إليكنّ لأنّي اتصلت برقم نقابة الأطبّاء مرارًا وتكرارًا فور حصول الحادث، وما من أحد أجابني في قسم الاستعلامات، ولم أجد حتّى رقمًا خاصًا بالشكاوى.
أتوجّه إليكنّ لأسألكنّ عن دور نقابة الأطباء اليوم وموقفها من التجاوزات المهنية التي يمارسها بعض الأطباء المنتسبين إلى هذه النقابة على مريضاتهم. ما هو موقف النقابة من تلك التجاوزات؟ وكيف تتموقع النقابة من تطوير شروط ممارسة مهنة الطبّ؟ ألا يجدر أن يكون هناك خطّ ساخن لاستقبال الشكاوى المتعلّقة بالاعتداءات والتحرّشات الجنسية؟ ألا تستحّق هذه المسائل أن تتابع قضائيًا؟ ألم يحن الوقت أن تعمل نقابة الأطبّاء على خلق وعي عام عن الموضوع؟
لأنّه لا يا حكيم مش طبيعي إنه مريضة تكون نايمة بعيادتك على التخت نصّ مظلّطة وإنت على أساس عم تعملها مسّاج علاجي، وتصير فجأة عم تفتح معها أحاديث عن الزواج و«تتغزّل» بجسمها وبعمرها. هيدا يا حكيم مش طبيعي ولا عادي، هيدا إسمه تحرّش.