نقد ميديا
خالد صاغيّة

سهى في بلاد مار مخايل

18 أيلول 2019

أطلّت سهى بشاره على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال. بدت الصورة غير واضحة تماماً. لكنّ إجراء الاتصال معها عبر سكايب لم يكن وحده السبب. التشويش في الصورة يأتي من مكان آخر. من كون سهى تطلّ علينا من زمنٍ مضى. زمن لبنان الذي يحلم بنهايةٍ لحروبه الأهلية وبتحرير أرض جنوبه المحتلّ. وإذا بها تظهر على الشاشة وقد انتهت الحرب وتحرّر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي ومن الوصاية السورية، لكن من أحلام مواطنيه أيضاً. لم تعد صورة سهى تبعث الأمل. صارت تبعث الحسرة.

أطلّت سهى بشاره في زمن العهد القوي. عهد وثيقة التفاهم التي وُقِّعت في مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وعهد ملحقاتها الاقتصادية التي وُقّعت بين وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري. في عهدٍ كهذا، لا مكان لصورة سهى، ليس بسبب الفقرة السادسة من وثيقة التفاهم التي تنصّ على العمل الحثيث لإعادة اللبنانيين الذين فرّوا غداة التحرير إلى إسرائيل، بل لأنّ تلك الوثيقة مهّدت لتثبيت حلف بين طائفتين نكايةً بطائفة أخرى. وفي حلف كهذا، ليست المقاومة أو العمالة هي المسألة، بل التسلّق على المقاومة لتحقيق غلبة طائفية.

أطلّت سهى بشاره في زمن استباحة الدولة من عرّابي الطوائف. في زمن كهذا، لا مكان لصورة من يدعو للمحاسبة مش لأنّو كنت بمعتقل الخيام… لأنّو أنا لبنانيّة. هذه الـأنا لبنانيّة التي لا يمكن تفكيكها إلى كودٍ طائفي، هي ما يجعل الصورة مغبّشة. وقد بلغ التشويش حدّ مطالبة سهى وزير الخارجية إنو يكون بمستوى هالقضية الوطنية ويتحرّر شوي من العقد الطائفية. وقد سها عن بالها أنّ ما يمارسه وزير الخارجيّة هو بالضبط السعي ليكون بمستوى القضية الطائفية، والتحرّر من العقدة الوطنية.

وُوجِهت سهى بسيل من الشتائم من قبل مناصرين للتيار الوطني الحر، ممّا يثبت أنّ وثيقة التفاهم قادرة بلمح البصر أن تقفز فوق العمالة والوطنية. وأوقح ما في هذه الحملة تعيير سهى بوقوفها ضدّ الدكتاتور السوري، كما لو أنّ مقياس الوطنيّة في بلاد مار مخايل بات نصرة النظام القمعيّ في سوريا وليس مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان. أمّا حملة الدفاع عنها، فحوّلت زمن سهى إلى زمن متخيّل. فزمنها الذي يجري تذكّره اليوم لم يوجد حقاً، والصورة التي تُرسَم له فيها شيء من الرومانسية، وشيء من التحدّي، وشيء من الحنين إلى زمن لم يكن. زمن لم يكن الحزب الشيوعي بالاستقلالية التي يتحدّث عنها المدافعون عن سهى، رغم أنّه لم يكن قد تحوّل بعد إلى احتياطي ـ«علماني» لحزب الله. زمن كانت “المقاومة” فيه جزءاً من الانقسام اللبناني، رغم أنّها لم تكن قد أصبحت بعد سلطةً جاهزة للقمع داخل لبنان وخارجه. زمن لم يكن فيه مشروع المقاومة طائفياً ولم يكن حتماً ذراعاً لأيّ وليّ فقيه، لكنّه لم يكن بريئاً تماماً من لعبة الطوائف.

صورة سهى مغبّشةٌ بما يكفي على الشاشة. لا حاجة لمزيد من التشويش. أمّا الصورة الواضحة، فهي أنّ من أعطى سهى مسدّسه لتغتال أنطوان لحد، جرى اغتياله في بيروت ضمن سلسلة اغتيالات وُجِّهت أصابع الاتّهام فيها لأعضاء في حزب المقاومة.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية