تعليق دولة حزب الله
نادر فوز

حزب الله واستحالة «المخرج اللائق»

25 تشرين الثاني 2025

تسريب رئاسي

تسرّب كلام رئيس الجمهورية جوزاف عون الأسبوع الماضي: الحزب بشقّه العسكري انتهى، وهم يدركون هذا الواقع [..] لكنّهم يحرصون على نهاية مشرّفة وعلى مخرج لائق. 
كلام سبق وقيل الكثير من فحواه خلال العام الأخير، وإن لم يُنسَب إلى مراجع سياسية أو رؤساء في الدولة. تردّد في الصالونات السياسية المختلفة، حتى تلك الخاصة بـ«البيئة المقاومة». أما ترجمته العملية، فهو أولاً بالصمت العسكري المتواصل لحزب الله، أو «الصبر الاستراتيجي» الذي تسلّح به أمينه العام في إطلالات متكرّرة. ثانياً، بالتأكيد المستمرّ على أنّ تحرير النقاط الجنوبية المحتلّة من مسؤولية الدولية، وكذلك استعادة الأسرى وضمان أمن الجنوبيّين. وثالثاً، بتكرار الأمين العام لحزب الله أنّ المطلوب «استراتيجية أمن وطني». 

لكن لكلام عون تتمّة: هذا تماماً ما نسعى إلى إنجازه، بعيداً عن الصخب السياسي والشعبوي الذي يجتاح البلد على عتبة الانتخابات النيابية المقبلة.
فعلياً، بعد «الفورة» التي اجتاحت البعض بانتخاب جوزاف عون رئيساً وتكليف نوّاف سلام برئاسة الحكومة، اصطدم هذا «البعض» بواقع «الواقعية» التي على أركان الدولة التعامل وفقَها مع حزب الله. وظهر ذلك بتمثيل «الثنائي» في الحكومة، وعرقلة وزرائه مجلس الوزراء، والانقلاب على قرارات رئيس مجلس الوزراء في منعطف «الروشة»، إضافةً إلى بصمة الثنائي في التشكيلات والتعيينات والقرارات، وغيرها. والأهم، في عنوان «حصر السلاح»، لم تتّجه الدولة، كما خُيّل للبعض أو تمّنوا، إلى محاصرة مخازن أو قواعد عسكرية والسيطرة عليها، بل إنّ تحرّكاتها لا تزال مدروسةً. يُحركّها الصخب الإسرائيلي الجنوبي حيناً، والضغوط الأميركية حيناً آخر. 


حزب الله الذي انتهى

الكلام الصادر على لسان عون لم ينفِه القصر الجمهوري. في الدولة اللبنانية مَن يقول لنا إنّ حزب الله قد انتهى عسكرياً. لكن في إسرائيل من يقول عكس ذلك: حزب الله يعيد بناء قدراته. وفي ذلك تبرير مُسبق لتصعيد الحرب على لبنان، أو توسيعها لتشمل إعادة فرض حزام ناري في الجنوب، وتكثيف الاغتيالات اليومية، وصولاً إلى التهديد بشنّ عملية عسكرية واسعة لكن مركّزة لأيام.

بلاهة أولى: «حزب الله انتهى عسكرياً»، وقول العكس يُصبح شكلاً من أشكال تقديم المبرّرات لإسرائيل لضرب لبنان وتوسيع الحرب والعدوان على اللبنانيين. لكنّ هذا الشكل من المبرّرات، يقدّمه حزب الله نفسه، إذ يؤكد أمين عام الحزب، نعيم قاسم، إنه لن نستسلم‎. [..]‏ لن نتخلّى عن سلاحنا. يسعى قاسم، ومعه قيادة حزب الله، إلى لملمة صفوفهما وإعادة تثبيت عود «البيئة»، من خلال خطاب التمسّك بالسلاح. لكن في الوقت نفسه، هذا السلاح هو ذريعة إسرائيل لتفعيل آلات القتل والتدمير. فيصبح هذا السلاح مجرّد مأزق لحزب الله، إن وُجد أو أعيد بناؤه أو دُمّر. وهنا بلاهة أخرى يردّدها بعض أبواق حزب الله: «أمام الدولة فرصة تحرير الأرض». كأنّ خيار الردّ العسكري على الاعتداءات الإسرائيلية متاح أصلاً.

بلاهة ثانية: أما مأزق خصوم حزب الله، فهو عجزهم عن التعامل مع هذا السلاح. إن كان حزب الله، فعلياً، قد انتهى عسكرياً، فإنّ هؤلاء الخصوم عاجزون عن إعلان الأمر وتقديم «انتصارهم» للّبنانيين إذ لا ترجمة سياسية لهذا الانتصار: حزب الله، وبيئته، مكوّن أساسي في البلد ولا قدرة على تجاوزه. وإن أعاد حزب الله، فعلياً، بناء قدراته العسكرية بحسب المزاعم الإسرائيلية، فإنّ عجز هؤلاء الخصوم يكون مزدوجاً: لم ينزعوا السلاح بعد الحرب المزلزلة، وفشلوا من منعه في إعادة ترتيب عسكره. يقف هؤلاء الخصوم عاجزين عن أيّ خطوة للتعامل مع السلاح، سوى انتظار العدوان الموعود والضغوط الدولية القادمة. وهنا بلاهة أخرى يردّدها بعض خصوم حزب الله في دعوته للاستسلام: «سلّموا سلاحكم». وبما يشبه الوعود الوردية، قال وزير الخارجية، يوسف رجي، أعطونا السلاح وخذوا ما يُدهش العالم. كأنّ ذلك سيردع الاعتداءات الإسرائيلية ويمنع الاحتلال من تنفيذ مخططاته الأمنية أو العسكرية. 


البحث المستحيل عن مخرج لائق

لا مخرج لائقاً لحزب الله، بعد هزيمته، وبعد أن دُمّر الجنوب وهُجّر أهله، وخسرنا الأرض والأمن. لا مخرج يضمن أمن لبنان وسيادة الدولة على أراضيها. على الأقلّ لا وصفة لصفقة، محلية أو خارجية، قادرة حتى الساعة على تأمين هذا المخرج اللائق. أوراق الطبخة موجودة للتعويض عن السلاح، على شكل تعديل في النظام والتمثيل السياسي- الطائفي، إضافةً لتعويضات وإعادة إعمار، كلّها لا تمحو ذيول الهزيمة التي مُني بها الحزب في 2024. 

كلّ ما سبق لا يقدّم أجوبة واضحة على ماهية هذا المخرج اللائق المُفترض: هل حزب الله قادر على فكّ حبل سرّته بإيران؟ هل تُعيد قيادة حزب الله ناسها إلى مرجعية الدولة اللبنانية، بينما جزء لا بأس به من هذه البيئة سبقها لهذه الطريق؟ هل ننتهي من سطوة إيرانية على البلد ليبدأ احتلال إسرائيلي فعلي؟ 

بانتظار تلك الأجوبة، بانتظار وقف الاعتداءات الإسرائيلية؛ بانتظار استيعاب حزب الله لحجم هزيمته؛ خرجت والدة كامل قرنبش من منزلها في زوطر الشرقية السبت، بعد أن تردّدت أصداء الغارة في أجواء المنطقة. وصلت على بعد أمتار من المكان المُستهدف، وعلمت فوراً أنّ ابنها هو الشهيد. احتضنها ابنها الآخر كي لا تقترب أكثر من المكان ولا ترى بعض التفاصيل. وبينما كان أحد أبناء البلدة يلتقط تلك الصورة، كان حزب الله متمسّكاً بسلاحه؛ وكان خصومه ينادون بالسلام مع إسرائيل. أما إسرائيل، فكانت مستمرّة بالقتل.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
شكوى ضدّ مايكروسوفت بتهمة تخزين بيانات استخدمها الجيش الإسرائيلي
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي