تعليق دولة حزب الله
طارق أبي سمرا

سلاحٌ بلا وظيفة 

سيادةٌ بلا أثر

2 أيلول 2025

عشرون سنة مرّت وما زلنا نعيش في «لحظة» 8 و14 آذار. عشرون سنة وما زال الانقسام السياسي على حاله تقريباً. عشرون سنة وما زلنا نرى الواقع من خلال إحدى العدستَين نفسهما.

سلاح حزب الله هو جوهر هذا الانقسام. أو بكلمات أخرى: السيادة مقابل السلاح، والدولة مقابل المقاومة. إنّه شرخ عموديّ عَرف على مرّ السنين موجات من التراجع والتصاعد، لكنّه ظلّ محور الحياة السياسية اللبنانيّة، وقد بلغ الآن، مع طرح مسألة نزع سلاح حزب الله، أحد أشدّ أطواره احتداماً.

غير أنّ هذا الانقسام فقدَ الكثير من معناه. 

  • فمن جهة، بات السلاح– أو ما تبقّى منه– يفتقر إلى أيّ وظيفة دفاعية نظراً إلى التفوّق العسكري الإسرائيلي الكاسح، وإلى أنّ كلفة استخدامه ستكون باهظة جدّاً: حرب مدمِّرة جديدة.
  • ومن جهة أخرى، صارت المطالبة بالسيادة وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها تنطوي على شيء من الهزل في ظلّ اعتداءات إسرائيل اليوميّة واحتلالها أجزاء من لبنان، في حين لا تملك الحكومة أيّ تصوّر عمليّ لكيفيّة ردعها– في ما عدا نزع سلاح حزب الله، علّ إسرائيل حينذاك توقف اعتداءاتها عن طيب خاطر.

لكن رغم انتهاء صلاحيّتهما، إذا جاز التعبير، يبقى منطقا 8 و14 آذار قائمَين، ويبدو أنّه لا سبيل إلى تجاوزهما في المستقبل المنظور. ولعلّ أبرز دليل على رسوخهما سهولةُ تصنيف أيّ سياسيّ أو ناشط أو صحافي لبناني ضمن إحدى الخانتَين: 8 أو 14 (ولا يخفي كاتب هذه السطور أنّ هذا ينطبق عليه أيضاً، إذ هو أقرب إلى معسكر السيادة). فكلّ خطاب أو تحليل سياسي يخضع بدرجة أو بأخرى لأحد المنطقَين. كأنّنا لسنا نحن، بوصفنا أفراداً، مَن يفكِّر، إذ نعيد اجترار أفكار معلّبة جاهزة، فنصبح مجرّد أدوات لهذا المنطق أو ذاك.

لكن من أين تستمدّ هاتان العقليّتان زخمهما الذي يعجز أيّ تبدّل في الواقع عن لجمه؟ ولماذا تؤسِّسان لانقسام يبدو تجاوزه عسيراً، إن لم يكن مستحيلاً؟ الجواب بسيط، وهو أنّ هذا الانقسام ينجم عن صراع طائفي حادّ بين الجماعة التي تملك السلاح وبقيّة الجماعات اللبنانيّة. فالسلاح هو وسيلة سطوة طائفة على غيرها من الطوائف، سطوة لم تترسّخ إلّا بعد سلسلة طويلة من الاغتيالات.

الآن، بعدما باتت هذه السطوة مهدَّدةً إثر هزيمة حزب الله في الحرب الأخيرة، عاد هذا الصراع الطائفي إلى أعلى درجات احتدامه. جماعة تخشى خسارة موقعها، بل حتّى هويّتها، فتتمسّك بسلاح صار على الأرجح بلا وظيفة، فيما الجماعات الأخرى ترى أنّ الظروف باتت مواتية للانقضاض عليها وخلعها عن عرشها: هكذا يمكن اختصار الصراع الدائر حالياً، ولو مع بعض التبسيط.

اتّخاذ موقف من سلاح حزب الله هو، بشكل أو بآخر، انخراطٌ في هذا الصراع الطائفي. لا يعني هذا إطلاقاً أنّه علينا التعفّف عن الخوض في مسألة السلاح. لكن ينبغي أن نعي طبيعة الصراع فلا نتغافل عنها. الفرد الذي يتّخذ موقفاً قد يكون شخصاً لاطائفيّاً بامتياز، غير أنّه لم يختر قواعد اللعبة: فبمجرّد إشهاره موقفه يدخل حقلاً سياسيّاً بنْيته طائفيّة.

لماذا، والحال هذه، نعجز عن صياغة خطاب خارج ثنائيّة 8 و14 آذار؟ كثيرون انتقدوا هذه الثنائيّة مؤخّراً، مشدّدين على ضرورة تجاوزها، لكنّ طروحاتهم بقيت أمنيات لا أثر لها على الواقع، فضلاً عن أنّه يمكن تصنيفهم هم أنفسهم ضمن إحدى الخانتَين. لعلّ ابتكار خطاب سياسي جديد أمر يفوق قدرة الأفراد وحدهم، إذ يستلزم تضافر قوى اجتماعية واسعة. وفي لبنان، هذه القوى الاجتماعيّة هي الكتل الطائفيّة.     

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
شكوى ضدّ مايكروسوفت بتهمة تخزين بيانات استخدمها الجيش الإسرائيلي
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي