تعليق الحرب على لبنان
طارق أبي سمرا

الحرب الآتية المستحيلة

11 تشرين الثاني 2025

 الشمس والموت لا يمكن التحديق فيهما.
— فرنسوا دو لاروشفوكو

الحربُ القادمة ساطعةٌ سطوعَ الشمس، لكنّ أحداً– مثل الشمس أيضاً– لا يستطيع التحديق فيها. لا يعني هذا أنّها آتيةٌ لا محالة، بل أنّ كلّ ما يُحيط بنا يُشير إلى احتمال وقوعها، ومع ذلك نمضي بحيواتنا كأنّما حدوثها مستحيل.

يوميّاتنا تحفل بالإشارات إلى هذه الحرب: 

جميع اللبنانيين يتحدّثون عنها بلا انقطاع ولا كلل، متسائلين: هل ستقع، ومتى؟

إسرائيل تُصعِّد اعتداءاتها جنوباً وبقاعاً وتهدّد بمزيد من التصعيد وحتّى بحرب موسَّعة.

المسيّرات تئنّ فوق رؤوسنا بوتيرة شبه يوميّة.

المسؤولون الأميركيون لا يكفّون عن تحذير الحكومة اللبنانيّة: إذا لم تُسارعي إلى سحب سلاح حزب الله، فإنّ إسرائيل ستفعل ما يحلو لها، ولا أحد سيلجمها.

حزب الله يصرّح يوماً تلو آخر بأنّه لن يُسلّم سلاحه، لا بل يؤكِّد أنّه يُعيد بناء قدراته العسكريّة.

الحكومة تُصرِّح يوماً تلو آخر بأنها ماضية في قرار حصر السلاح بيد الدولة، لكنّها عاجزة عن اتّخاذ أيّ خطوة عمليّة في هذا الشأن.

رئيس الجمهوريّة يُصرِّح يوماً تلو آخر بأن لبنان مستعدّ للتفاوض مع إسرائيل، لكنّ نتنياهو غير مكترث بذلك.

بالرغم من كلّ ذلك، لا يبدو أنّ أحداً يشعر بالخوف، باستثناء سكّان الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة. كأنّما الاحتمال الكبير بوقوع الحرب ليس سوى معرفة نظريّة مجرّدة، لا تتسرّب إلى تفاصيل عيشنا اليومي.

علاقتنا بالحرب القادمة تشبه إلى حدّ بعيد علاقتنا بالموت. فنحن نعلم يقيناً أنّنا كائنات فانية، لكنّ معرفتنا هذه لا تُترجَم إلى أيّ شيء ملموس في حياتنا. نعيش، في أغلب الأحيان، كما لو كنّا خالدين. لا بل يصعب علينا– إن لم يكن مستحيلاً– تخيُّل أنّنا سنموت يوماً ما، على الرغم من أنّنا نرى كثيرين يموتون من حولنا. نادرة جدّاً هي الأحيان التي نعي فيها حقّاً أنّ أيامنا معدودة على هذه الأرض، فيتملّكنا إذّاك الذعر. ذعرٌ يجعل العيش عسيراً، بل مستحيلاً، فلا بدّ من طرده بأيّ وسيلة كانت.

الحرب القادمة ليست حتميّة كالموت، لكنّها، شأن الموت، محتملة الوقوع في أيّ لحظة. إلّا أنّنا، كي لا يصير الذعر عائقاً أمام عيشنا، مقتنعون في أعماقنا بأنّها مستحيلة – تماماً كالموت. إنّنا ننكر احتمال حدوثها بما يتيسّر لنا من وسائل، ولعلّ أبرز هذه الوسائل، للمفارقة، إكثار الكلام عنها. فالحديث عن أمر بلا انقطاع ولا كلل كفيلٌ، أحياناً، بإفراغه من كلّ معنى. ذاك أنّ الكلام المُستفيض المُتكرِّر عن الحرب يعمل كالمبرد فيكشط كلّ الأحاسيس والمشاعر المرتبطة بها، فيتحوّل احتمال وقوعها إلى معرفة نظريّة مجرّدة فحسب.

وسيلة إنكار أخرى نلجأ إليها، نحن الذين لا نقيم في الجنوب أو البقاع أو الضاحية الجنوبية، هي اعتقادنا بأن الحرب، إن وقعت، لن تخصّنا، بل ستخصّ غيرنا فقط– تماماً كما نعتقد في أعماقنا بأنّ الموت شأن الآخرين ولا يمكن أن يصيبنا. ثمّة ما يدعم اعتقادنا هذا، وهو أنّ الحرب الأخيرة اتّخذت طابع تطهير إثني، إذ ركّز الجيش الإسرائيلي ضرباته على المناطق ذات الأغلبيّة الشيعيّة فيما حيّد نسبيّاً المناطق الأخرى. أمّا كلام المسؤولين الإسرائيليين عن أنّ الحرب القادمة ستكون أوسع من السابقة ولن تستثني أيّ منطقة، فنفضّل تجاهله مُقنعين أنفسنا بأنّه تهويل لا أكثر. 

حالة الإنكار هذه ليست حكراً علينا نحن الأفراد، بل تمتدّ إلى الحكومة أيضاً. ففيما الحرب القادمة ربّما هي الأفق السياسي الوحيد للبنان، تتصرّف الحكومة كما لو أنّ حدوثها مستبعد جدّاً، بل مستحيل، فلا تحضّر نفسها ولا البلد لهذا الاحتمال، ولا تضع أيّ خطّة طوارئ. تلهو بأمور تبدو تافهة إذا نظرنا إليها من منظور الحرب، كالتعيينات الإداريّة أو قانون الانتخاب، غير آبهةٍ بأنّ احتمال وقوع الحرب قد يكون أعلى من احتمال إجراء الانتخابات. أما ما تفعله لدرء هذا الاحتمال، فلا يتجاوز التمنّيات: التمنّي على حزب الله تسليم سلاحه، والتمنّي على إسرائيل القبول بالتفاوض.

الحرب القادمة هي كالشمس والموت: يمكن النظر إليها لثوانٍ وجيزة فقط، ثمّ علينا أن نلتفت بعيداً عنها.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً