تحليل سوريا
محمد علي الأتاسي

في البحث عن الوطنية السورية

«الدين لله والوطن للجميع»

29 آب 2025

من «المؤتمر التأسيسي للمجلس الإسلامي السوري» إلى «مجلس الإفتاء الأعلى»

في 24 تمّوز من العام 2018، دُعي المعارض السوري جورج صبرا، عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الديموقراطي السوري ورئيس المجلس الوطني السابق، لإلقاء كلمة في «المؤتمر التأسيسي للمجلس الإسلامي السوري» الذي انعقد في إسطنبول وأريد له تجميع العديد من المشايخ ورجال الدين السوريين من حول الشيخ أسامة الرفاعي (والذي عيّنه الرئيس الشرع قبل عدّة أسابيع مفتيًا للجمهورية) لخلق مرجعية إسلامية في المنفى مؤيّدة للثورة ومدعومة من تركيا.
ألقى السيد جورج صبرا في هذه المناسبة كلمة مرتجلة اعتبَر فيها أنّ المجلس الإسلامي السوري واحدٌ من ثمرات الثورة السورية، وأن هذا المجلس ليس للمشايخ ولا للمسلمين فقط، ولكنه للسوريين! وبالتالي، اعتبر السيد صبرا أن له حصة في هذا المجلس قولًا وفعلًا مثل بقية السوريين، قبل أن يضيف معترفًا بإخفاقهم كقيادات مدنية للثورة، ومتمنيًا:

نحن نريده أن يكون مظلّة للوطنية السورية، طالما للأسف أخفقنا وأخفقت الثورة السورية في أن تصنع قيادة لها. نريد من هذا المجلس الكريم أن يكون المظلة التي تنبت القيادة السورية الجديدة. المطلوب هو إيقاظ الوطنية السورية واعتبرها مهمّة من مهمّات المجلس ولا يستطيع مسلم أن يقنعني أنّها تتناقض مع المهمة الإسلامية والشرعية والاجتماعية الأساسية لهذا المجلس، لأن أسلافهم الكرام هم الذين أسّسوا وبنوا الوطنية السورية عندما بنيت الدولة السورية في القرن الماضي.

بعد ستّ سنوات من هذه التصريحات التي خلطت الحابل بالنابل وأعطَت لمجلس ديني ما ليس له ولا عليه، أعلن المجلس الإسلامي السوري في 28 حزيران 2025 في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، حلّ نفسه استجابةً لطلب حكومة الشرع بحلّ جميع الأجسام الثورية السياسية والمدنية لدمجها في مؤسّسات الدولة. وقال المجلس في بيان إنّ قرار الحل يأتي بعد أن حقّق كثيرًا من الأهداف التي قام لأجلها، والتي بالتأكيد لم يكن منها تشكيل مظلة للوطنية السوية التي تنبت في ظلالها القيادة السورية الجديدة، كما ارتجل ذات يوم جورج صبرا. فلا هذه المظلة الإسلامية امتدَّت لاحتضان الوطنية السورية، ولا القيادة السورية الجديدة نبتت في ربوعها.

وأتى قرار المجلس بحل نفسه، بعد نحو شهرين على إصدار الرئيس السوري أحمد الشرع، مرسومين رئاسيين، قضى الأول بتعيين الرفاعي مفتيًا عامًا للجمهورية، فيما نص الثاني على تشكيل «مجلس الإفتاء الأعلى»، ومنحه صلاحية إصدار الفتاوى في المستجدّات والنوازل والقضايا العامّة في سوريا. ويضمّ «مجلس الإفتاء» 15 شيخًا وداعيةً على اختلاف مدارسهم الفكرية والعقائدية التقليدية، من أشاعرة إلى سلفيين، أقرّ لهم الرئيس الشرع دون غيرهم من مجالس، بما فيها مجلس الوزراء ومجلس الأمن القومي ومجالس النقابات في سوريا الجديدة، أن يصوّتوا على فتاويهم وقراراتهم وأن يكون صوت المفتي هو الصوت المرجح إذا تعادلت الأصوات، فحقّ لهم ما لم يحقّ لغيرهم من السوريين في ممارسة التصويت واتّخاذ القرارات بالأكثرية، هذا مع العلم أنّ الرئيس الشرع حرص في اختياره للشخصيات الدينية التي شكّل منها المجلس، في أن تأتي أكثريته وفتاويها في مصلحة سلطته الجديدة.


الوطنية السورية الضائعة  

لا تريد هذه السطور أن تتصيّد في هفوات السيد جورج صبرا المرتجلة، وهو السياسي المخضرم، المعتقل السياسي السابق، الذي دفع ثمنًا غاليًا اعتقالًا ونفيًا، بسبب مواقفه من النظام الأسدي البائد ومشاركته في الثورة السورية وفي هيئاتها القيادية. لكنّها تطمح، بعيدًا عن التجريح الشخصي والحسابات الفردية، أن تقارب مأزق بعض تيّارات المعارضة السورية التاريخية التي دفعت أثمان باهظة في مقارعة الاستبداد الأسدي وفي النضال من أجل التغيير الديمقراطي، وتقف اليوم عاجزة عن بلورة حركة سياسية مؤثّرة في مواجهة تغوّل السلطة الحالية واستفرادها في الحكم ودفعها البلاد إلى مجاهل الحرب الأهلية. 
قد يقول قائل جُلّ من لا يخطئ. فكلنا معرّضون للعثرات والهفوات. لكن في السياسة والعمل العام، عندما تتكرّر الأخطاء وتكاد تصبح منهجًا في العمل السياسي، يصبح النقد واجبًا أخلاقيًا وضرورة وطنية.
فالوطنية السورية التي أراد لها جورج صبرا أن ترى النور من تحت مظلة المجلس الإسلامي السوري الذي ذهب بدوره أدراج الرياح، الأكيد أنّها لم ولن ترى النور من تحت أي مظلة دينية، كما سبق للراحل الكبير رياض الترك أن صرّح لي في أوّل مقابلة أجريتها معه بعد خروجه من سوريا إلى منفاه الفرنسي ونُشرت في القدس العربي في 2 سبتمبر 2018، حيث قال في غمزٍ ضمنيٍ بالتصريحات الإشكالية لعضو حزبه جورج صبرا: في النهاية الوطنية السورية هي اليوم المرجعية والمظلة التي نلتقي تحتها جميعًا، وهي أوسع من أي مظلة إسلامية أو قومية أو دينية أو حزبية.

لكن أين منا اليوم من ذاك الكلام العميق في دلالاته، والذي طمح لأن تكون الوطنية السورية مرجعية ومظلة تلتقي من تحتها كل المرجعيات الأخرى من دينية أو قومية أو حزبية؟ من دون أن يكون في ذلك تراتبية أو إعلاء للوطنية على بقية الانتماءات الأخرى.
وأين هي هذه الوطنية السورية اليوم على وقع المجازر التي ترتكب بحق المدنيين من قبل فصائل السلطة، بعيدًا عن أي محاسبة فعلية؟ 
وأين هي هذه الوطنية السورية في ظل إعادة تشكيل الجيش الوطني وقوى الأمن على أساس مذهبي فجّ، من دون حتى أي مواربة أو تقيّة كما كان الحال عليه خلال عهد النظام البائد؟
وأين هي هذه الوطنية السورية في ظل غياب أي مسار سياسي ديمقراطي جدّي يتيح إفراز قيادات ذات صفة تمثيلية حقيقية ويسمح بالمشاركة السياسية وبقيام دولة القانون وبفصل السلطات؟ 
وأين هي هذه الوطنية السورية في الوقت الذي يجري فيه تلزيم قطاعات واسعة وحيوية من الاقتصاد السوري لمقرّبين ورجال أعمال محظيين ولشركات قابضة ودول بعينها، بعيدًا عن أي رقابة قانونية أو شعبية؟
وأين هي هذه الوطنية السورية ودعوات التقسيم والاستعانة بالأجنبي تنتشر في كل مكان، مترافقة بخطابات الكراهية والتحريض وشيطنة الآخر؟
وأين هي هذه الوطنية السورية عندما تصبح لكل طائفة مظلوميّتُها وشهداؤها وفيديوهاتها المثقلة بالدماء وأبطالها وقاتلوها؟
وأين هي هذه الوطنية السورية، في الوقت الذي لم يُترك فيه للمدنيين السوريين سوى الخيار بين أن يموتوا بحراب ورصاص الفصائل المسلّحة التابعة للسلطة القائمة، أو أن يموتوا بحماية المحتلّ الإسرائيلي ومخطّطاته التقسيمية وسياساته السينيكية؟


مجازر 1860 من منظور اليوم

يعتقد الكثيرون أن وعد بلفور واتّفاقيات سايكس بيكو ومنظومة الانتداب المفروضة من عصبة الأمم، هي التي أوجَدت الدول في منطقتنا ورسمت لها حدودها وولّدت شرعيتها. لكن ما يغيب عنهم أن فكرة الوطن والوطنية (وإن بقية حدود الوطن غائمة) وُلدت من رحم مجازر 1860 التي هزّت بلاد الشام وانتقلت من جبل لبنان إلى البقاع وصولًا إلى دمشق. 

كان لانهيار الإمبراطورية العثمانية وتفكّك الرابطة العثمانية وما رافقها من مجازر وانتهاكات، وانتشار الأفكار القومية وفكرة الدولة/ الأمّة في نهاية القرن التاسع عشر، تأثير كبير على النخب المشرقية، التي هزّتها بشاعة المجازر التي ارتُكبت بحق المسيحيين. لكنّها بدلًا من أن تُغرق في المظلوميات الهوياتية والطائفية، بلوَرت منذ اللحظة الأولى خطابًا نهضويًا عابرًا للطوائف بدأ مع بطرس البستاني وجريدته «نفير سوريا»، وترافق مع أعمال الترجمة ونشر المعاجم وتطوير اللغة العربية، وأسّس لوعي وطني سيكون لاحقًا رديفًا لكل الحركات والجمعيات السياسية التي ناضلت في سوريا ولبنان وفلسطين للاستقلال تحت شعار «الدين لله والوطن للجميع».

بعد مجازر 1860، لم يكتب بطرس البستاني أنّ الدروز هم المسؤولون عن ذبح المسيحيين. ولم يحمّل ميخائيل مشاقة السنّة الدمشقيين بالعموم مسؤولية ذبح مسيحيي الشام، وذكّر بدور الأمير عبد القادر الجزائري ورجاله. ولم يكتب جرجي زيدان عن تاريخ المجازر في الإسلام، بل كتب عن الشخصيات المضيئة في التاريخ الإسلامي. نعم حاول مثقّفو النهضة أن يؤسّسوا لفكرة الوطن والمواطنة التي تشمل الجميع وتساوي بين الجميع.

بقى أن المهم والأساس الذي مكّن من تجاوز مجازر 1860 وسمح بولادة وعي وطني جديد عابر للطوائف، كان حرص السلطات العثمانية في ذلك الزمن، وتحديدًا الوالي فؤاد باشا، في أن يقطع الطريق على التدخّل الأجنبي من أن يستغلّ المجازر لزيادة نفوذه في المنطقة. فضرب بيد من حديد وخصوصًا في دمشق، وعلّق المشانق للمتورّطين بالمجازر ونفى الأعيان الذين تقاعسوا عن حماية المسيحيين وأجبر المدينة على دفع تعويضات للمتضرّرين. والأهم، كما بيّن روجين يوغان، في كتابه الجديد الصادر حديثًا بالإنكليزية «أحداث دمشق»، تمّ إنشاء متصرّفية جبل لبنان وولاية جديدة مركزها دمشق والتي حملت للمرّة الأولى اسم سوريا، وضمّت معظم الأراضي السورية الحالية وأجزاءً من فلسطين والأردن والساحل اللبناني. وقد سمحت هذه الولاية لمدينة دمشق بوصفها مركز الولاية أن تزدهر اقتصاديًا وتحصّل الضرائب  وتبدأ بسياسة إعادة إعمار واسعة سمحت بإعادة السكّان المسيحيين واليهود للسكن في المدينة.

لكن أين منا اليوم من ذلك الزمن، حيث بتنا نرى بأم أعيننا كيف تتصارع المظلوميات وتتوالد المجازر ويسود خطاب التحريض والكراهية في وسائل الإعلام ويُعاد تأهيل مجرمي الحرب وينفتح البلد على كل التدخّلات الأجنبية وتنتهك السيادة الوطنية باسم حماية الأقلياّت، بدلًا من أن تحميهم دولتهم السورية. يتمّ كل هذا من دون أن تخطوَ السلطات الحاكمة خطوات جديدة واضحة باتّجاه تحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورّطين بالمجازر وإحقاق العدل وتعويض المتضرّرين وإطلاق مسار العدالة الانتقالية وإعادة بناء اللحمة الوطنية من خلال إشراك الناس بكافة شرائحها ومكوّناتها في صناعة حاضرها ومستقبلها. 


المعارضة التي تخجل أن تعارض

ما يثير الاستياء والألم في كل هذا، هو تقاعس بعض أطراف المعارضة التاريخية التي دفعت أفدح الأثمان في مقارعة الاستبداد الأسدي، في بلورة خطاب وطني جامع لا يقطع فقط مع عهد الاستبداد وممارساته الطائفية، ولكنه يبلور موقفًا واضحًا وصريحًا في مواجهة السلطة الحالية وما ترتكبه من مجازر وما تؤسّس له من دولة تسلطية جديدة، قائمة على إعلان دستوري معلب ومجلس شعب معيّن وفترة انتقالية مدّتها خمس سنوات يرأسها رئيس مطلق الصلاحيات مُعيَّن بموجب إعلان النصر للفصائل العسكرية التي تقودها هيئة تحرير الشام.

هل يُعقل مثلًا أنّ السيد جورج صبرا، المنتمي لحزب دفع أثمانًا باهظةً في مقارعة الاستبداد الأسدي وحكم الفرد الواحد، وقارع قائده التاريخي رياض الترك أيّام الوحدة الرئيس جمال عبد الناصر بجلالة قدره، وصرّح ذات يوم من داخل سوريا في أعقاب موت حافظ الأسد أن الديكتاتور مات ويجب أن نطوي صفحته، هل يُعقل أن يُصرّح السيد صبرا  في أعقاب تفجير كنيسة الدويلعة وفي أعقاب مجازر الساحل والسويداء، أنّ الرئيس الشرع رجل مرحلة، واختياره لقيادة الفترة الانتقالية قرار صائب، لصفاته الشخصية وخبراته وما يمثّله ليضيف متعاميًا عن حال سوريا والسوريين بأن سورية في الاتّجاه الصحيح. هل يعقل أن يشرعن السيد جورج صبرا التمثيلية الانتخابية لتعيين مجلس الشعب وأن لا يجد سوى النصح للجنة الانتخابية المعيّنة من الرئيس الشرع بأن تختار الرجال الرجال وأن تراقب السلطة التشريعية، نعم تراقب، السلطة التنفيذية التي عينتها هي نفسها.

يقول السيد صبرا في مقابلة مصوّرة مع ناشط صحفي سمه أيمن حداد، مخاطبًا اللجنة وداعيًا إياها لتأسيس ما يسمّيه فضاءً جديدًا للوطنية السورية بعد ذلك الذي أضاعه تحت مظلّة المجلس الإسلامي: 

رسالتي للجنة التأنّي في اختيار الأشخاص وأن يكون الاختيار بعيدًا عن الذاتية وأن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب والهمّة في البرلمان الجديد تتطلّب الرجال الرجال الذين خاضوا غمار الثورة السورية ولديهم خبرة تشريعية وقانونية لتأسيس فضاء جديد في الوطنية السورية، كذلك أيضًا لهم الشجاعة الكافية لمواجهة السلطة التنفيذية، لأن من مهام السلطة التشريعية أن تراقب أفعال السلطة التنفيذية وتحقّقها.

هل يعقل أن إعلان دمشق الذي قاد العمل المعارض من الداخل خلال  فترة ربيع دمشق ولعب دورًا محوريًا في تشكيل المجلس الوطني غداة اندلاع الثورة السورية، يظلّ صامتًا خلال الشهور الثمانية الماضية منذ إسقاط النظام ويصحى فجأة من صمته الطويل ويصدر بيانًا في الذكرى الثانية عشرة لمجازر الكيماوي التي ارتكبها النظام الأسدي في الغوطة، غاضًا الطرف في الآن نفسه عن المجازر التي ارتكبها النظام الحالي في الساحل والسويداء!


الدين لله والوطن للجميع

اعتصام مناهض لنظام الأسد في السويداء في عام 2020 (السويداء24)

الوطنية السورية، ومنذ ولادتها سياسيًا مع الحكومة العربية في دمشق في العام 1918 ومرورًا بالثورة السورية الكبرى في العام 1925 وببيانها الشهير، ووصولًا إلى الجلاء في العام 1946، ترعرعت تحت مظلّة «الدين لله والوطن للجميع» ولم يكن لها في أي يوم مظلةّ دينية واحدة، فكيف بمجلس إسلامي سوري أو مجلس إفتاء أو هيئة لتحرير الشام.

شعار «الدين لله والوطن للجميع» الذي ولد في منطقتنا بعد أحداث 1860 واتّخذته ثورة 1919 المصرية بقيادة سعد زغلول شعارًا لها، واستعاده قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش شعارًا لها في مواجهة الانتداب الفرنسي وسياساته التقسيمية في سوريا، ربّما يكون من أكثر الشعارات التي تمّ إساءة استخدامها في العقود الأخيرة، ليس فقط للتبرير والتعمية على الممارسات الطائفية للدولة الأسدية بحجّة علمانية الدولة وحياديّتها الكاذبة، ولكن لأن الخطابات التهويشية لبعض جماعات الإسلام السياسي جعلت من هذا الشعار مكافئًا للنيل من الأقليات الدينية ومن المسلمين المختلفين وإقصائهم عن الحياة العامة. وقد وصل الأمر ذات يوم بزهران علوش عندما كان مسيطرًا على الغوطة الشرقية أن صرّح مستهزئًا من مضمون هذا الشعار وقالبًا لمضمونه رأسًا على عقب، مؤكّدًا أن الوطن لله والدين للجميع! هذا ناهيك في المقلب الآخر عن محاولة بعض فلول النظام السابق التلطّي وراء هذا الشعار للتعمية على علاقاتها مع النظام السابق وسكوتها وتواطئها مع ممارساته الطائفية.

لكنّ كل هذا يجب أن لا يمنع من إعادة الاعتبار لهذه المقولة في الخطاب السياسي السوري اليوم، ليس كشعار ولكن كممارسة ومنهاج عمل يمكن له أن يتصدّى لمحاولة السلطة الجديدة، ليس فقط مصادرة المجال العام وأسلمته وإقصاء الآخرين عنه، ولكن لمحاولتها كذلك احتكار تمثيل السنّة العرب والنطق باسمهم وقولبتهم وفقًا لأيديولوجيتها السلفية.

يبقى أن إعادة بناء الهوية الوطنية، لن يتحقق بالشعارات والمزايدات الوطنية ولكن بالأفعال والعدالة وإعادة الحقوق لأهلها وبالمصالحات والتقارب والمشاركة وبناء جسور بين أبناء البلد الواحد، وليس بإعادة استحضار المظلوميات و الهويات المنغلقة وتسجيل النقاط بين الجماعات والطوائف. تنبت الوطنية السورية من المشروعية الشعبية ومن التقاء المسلم السني والكردي والمسيحي والعلوي والدرزي والإسماعيلي والشيعي، على فكرة المواطنة وعلى أن الدولة المدنية لا دين لها، وعلى أن كل واحد على دينه الله يعينه، وعلى أن الإسلام هو دين غالبية السوريين، وهو كما المسيحية، ثقافة وحضارة تجمع كل السوريين. وأن الجميع متساويين أمام القانون وأن الشعب هو مصدر السلطة والتشريع، وأن سوريا تستحق أن تعيش وتبقى لأن السوريين يستحقون بعد كل هذه المعاناة أن يعيشوا وأن يبقوا في وطن بسيط، لا يموتون من أجله ولكن يموتون فيه بشكل اعتيادي. 

هل هذا بكثير؟

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً