فكشن
سلسلة
الزاوية
عمر ليزا وكارن كيروز

15: رحلتي من «قهوة الزاوية» إلى «بار الزاوية»

5 تشرين الأول 2025

شاي تقيل وقرفة. فرنش برس. تركي. دبل اسبريسو. لاتيه. شاي أخضر. أميركاني.

سبعة زبائن كلَّ صباح. أتعرّف عليهم يوماً بعد يوم، طلباً تلو طلبٍ، وموقفاً تلو موقفٍ. وهذه هي القصّة الخامسة عشرة، وما قبل الأخيرة، من «الزاوية»، مقهًى ما زال قيد الافتتاح.


من أين سنأتي بكل هذا المشروب للافتتاح؟ أيمكننا شراء ما يكفي؟ حساباتي لتموين المحل ــ بالأقلّ الويسكي والتيكيلا، والرام والجين والبيرة ــ تتخطّى الألف دولار. كيف تحمّسنا من دون تفكير؟ تهكّمت على إشارات «ممنوع الدين» حتى ناسبني الدين. كانت تخيفني هذه العبارات في عمر السابعة. كنت أعتقد أن «الدِّين ممنوع» وليس الدَّين. أعادني ذلك إلى لحظة دخول قوّات الأمن السورية إلى السويداء، حيث دمّروا يافطةً تقول «صفر أُمّية»، ظنّاً أنّ المقصود «صفر أُمَيّة». أكانوا في السابعة من عمرهم أيضاً؟ إذن عليّ بالدَين، ولو كان ممنوعاً.

ممّن أستدين؟ من تاجر الكحول؟ من الدكّنجي الوسيط؟ صاحب شعار «الدين ممنوع»، فقط لأنّني ملدوع؟ لا شكراً، سأستدين من أحد معارفي، أبسط من الأقرباء وأقل تعقيداً. معها حق جنى. سامي ومنال والبقية لا يكفون على المدى الطويل. شغل الليل لا مفر منه. أخبرت الجميع أن الدوام الليلي سيبدأ الليلة، فقفز سامي نحو البار مستفسراً عن الكحول ومصادري.

- بتعرف ألكول بيروت نصه مضروب؟ أيا… أكتر من نصه.
- ما بعرف بعد، عم شوف تجار وهيك. 
- ليك، أنا بعرف حدا بس بدي روح معك لعنده، ما بدي ابعتك هيك من قبلي.
- شو بركي ما عرفك من الاسم يعني؟
- إيه هههه.
- طيب شو الفرق بينه وبين غيره؟
- بيعملك سعر وبتدفع بعد جمعة أول نقلة والباقي تحت رِدَد أو عادي، ما بعرف.
- انت كيف بتعرفه؟
- كنت فاتح PUB قبل 2019.

لم أتوقّع هذه الإجابة منه. سامي يشغّل باراً في بيروت… رغم معرفتي الجديدة نسبيّاً به، توطّدت علاقتنا من دون حساب. نختلف في معظم المواضيع، ولكن نتّفق على الحديث فيها. لم يخبرني يوماً أي شيء شخصي، فحاولت الاستنتاج. حكوَجي، ولديه معارف كثيرة في كل المجالات… موظّف دولة؟ ضمان؟ ترك ربّما لانهيار العملة في السنين الأخيرة؟ صاحب محل هواتف؟ هذا يبرّر معارفه، لكنه أنظف من ذلك. نفسية سامي ليست نفسية تاجر، بل وسيط. أكان عليّ أن أسأله بحكم الصحبة؟ 

إذن، كان يملك باراً.

- إنو مش لحالي، مع كذا شريك، بس فرطت.
- آه والله؟ ما كنت عارف… إنو ما بيبين عليك.
- كيف الواحد بيبين عليه إنو فاتح بار كان؟
- ما بعرف… بيلبس قميص أبيض لان، وعوينات شمس بني… مدري أسود غطس وموكاسّان... شو بعرفني… هههه
- ههه لا إنت عايش ع فايسبوك.
- إيه هههه… طيب يعني عنجد فيك تساعدنا… إنو منروح اليوم؟
- قوم يلا هلأ.

تركت جنى مع منال والتحقت بمشروع سامي. جنى أيضاً أصبحت أكثر قرباً من منال، خصوصاً بعد اختفاء يمنى عن الأجواء.

- شو بكي مهمهمة؟ سألت منال جنى.

لماذا لا أسأل سامي هذه الأنواع من الأسئلة؟

- ما شي إنو بعد يوم عنا نبلّش عشية، وبعرف شو أعمل، بس عتلاني هم.
- أوكي، قوليلي شو عندك تعملي
- عندي… ممم 
- روقي لقيّدهن
- بدي عبّي كراتين البيرة بالبرادات. هيدي خلصنا منها.
- أوكي، غير؟
- بدي قص النعنع والحبق والحامض والليمون.
- يلا جيبيهن.
- وأعصر حامض تحضير لعشية، للدرينكات وهيك يعني.
- يلا، أنا بساعدك.
- عنجد؟
- أكيد، ما في حدا بعد يلا.

انطلقتُ مع سامي وحان وقت الاتصال بالريّس موسى .

- مرحبا ريس، شو أخبارك؟ ماشي الحال؟ كله تمام؟
- والله يا ملعون، صايب القاووق منيح، بس هو بيجيبها أسرع. - مرحباريسشوأخباركماشيالحالكلهتمام؟
- صح صح، هههه. إنت صبتها ريس
- خير، قلي… شو صاير معك؟ قَلّي اليوم هيدا سامي إنو بدك تحكيني. إلي ساعتين، بتحزّر شو معقول يكون بدك
- ماشي، عازمك الليلة على القهوة، صوب الساعة 8، تعا اشرب كاس.
- إيه منجي. فكرت في شي يا زلمة…
- لا لا، ولو يا ريس… شو، ما منحكيك إلا إذا في شي؟
- ابن أصل والله يا زياد.
- حبيبي ريس موسى، بشوفك الليلة. يلا باي. باي. وصل. باي.

صدق سامي واشترينا كل ما يلزمنا من كحول بالدين حتى الأسبوع المقبل ووصلنا إلى المقهى باكراً لتسليم جنى ما ينقصنا. مرّ سامي على تاجر ثلج كان يعرفه وأهدانا أوّل «نقلة» ثلج. شاهدنا أوّل غروب شمس في المقهى، وشربنا البيرة بعد أن بدأَت تبرد. شغّلت موسيقى «بالأفراح» لزياد، وأمسكتُ بيد جنى.

- شو؟ مبسوطة؟
- ايه. انت؟
- ايه مبسوط. مبسوط فيكي.

وصل الريس موسى بسيارته المرسيدس الغوّاصة وركنها أمام القهوة. رحّبنا به أنا وجنى وأهدَته جنى مرطبان قورما من صنع جدّتها. عملنا من قيمته. أقعدته وطلبنا الويسكي مع الثلج.

- شو فتحتوا بالليل خلص؟
- ايه عالخفيف… كاس بعد الشغل وهيك بتعرف.
- هيدي مين حاكي فيها؟
- ما جايي إحكيك، عندي كم موضوع و هيك ريّس…
- يي لحظة قبل قبل، كنت عم بحكي اليوم مع فريد اللي عنده قهوة الريش، قلّي انو عم يفكر فيك.
- يفكر فيني؟ ب شو؟
- بدّه مدير لقهوة الريش تحت إيده وقلّي انت أحسن حدا
- لقهوة الريش؟
- ايه مدير هونيك وهون. هيك بيصير فيك تفتح بالليل هون… والمعاش قلّي فريد قادر يدفع ثلاثة آلاف دولار اذا انت مهتمّ.

صُدمت. فريد يحاول شرائي كما اشترى الجميع من حوله.

- وجنى؟
- جنى هون مديرة، ليك شو مبسوطة.

ثلاثة آلاف دولار هو ضعف أرباحنا هذا الشهر. 

- منشوف ريّس منشوف، كاسك.
- كاسك… ايه شو كان بدّك تخبّرني؟

سلسلة

الزاوية

شاي تقيل وقرفة. فرنش برس. تركي. دبل اسبريسو. لاتيه. شاي أخضر. أميركاني.
سبعة زبائن كلَّ صباح. أتعرّف عليهم يوماً بعد يوم، طلباً تلو طلبٍ، وموقفاً تلو موقفٍ.
هذه قصص «الزاوية»، يوميات مقهى ما زال قيد الافتتاح.

5: ليش هوّ مش نحن؟ | فكشن
4: مصمّم عقاري | فكشن
3: بطل السلم وبطل الحرب | فكشن
6: قهوة الريش | فكشن
1: بوتين اله مصلحة | فكشن
2: ممنوع التكلّم بالسياسة | فكشن
9: بسين في زمن النووي | فكشن
8: زياد يحسم: «يا راسي يا راسه» | فكشن
10: حين أصابَ السهمُ قلبي لم أمُت لكنّي متُّ حين رأيتُ مَن رماه | فكشن
7: جنى وأنا | فكشن
11: ريحة حشيش | فكشن
13: ملك الحي | فكشن
12: مَن هو الخائن بيننا؟ | فكشن
16: بالشمع الأحمر | فكشن
14: كلّه أندر كونترول | فكشن

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً