مراجعة سينما
غوى أبي حيدر

«لِمَنْ أتينَ قبلنا» لمحمد عبدوني 

تاريخ طونطات بيروت

20 تشرين الأول 2025

المعرض ومن ثمّ الفيلم

صورة من معرض «لمن أتين قبلنا»، مركز مينا للصورة، 2022.

منذ حوالي ثلاث سنوات، قصدت مركز مينا للصورة لأشاهد عرضاً فوتوغرافياً للمصوّر والمخرج محمد عبدوني بعنوان «لمن أتين قبلنا». في المعرض، يمكن مشاهدة صور لنساءٍ عابرات في العقد الرابع وما بعده، ترافقها قصصهنّ ومقتطفات من مقابلات معهنّ، وفي الخلفية تُسمَع أصواتهنّ يروين حياتهنّ، إلى جانب أرشيفٍ من الصور الشخصية. 

صورة من معرض «لمن أتين قبلنا»، مركز مينا للصورة، 2022.

كان الوضع مختلفاً قبل ثلاث سنوات، ولم أشعر أنّ هناك أي خطر في مشاهدة هذا العرض. شعرت وكأنّ النساء يستحققنَ أن تُعرَض قصصهنّ لنا، لجيل لا يمكن أن يفهم ماذا يعني أن تكون ترانس في الحرب الأهلية في بيروت وماذا يعني أن تعيش الثمانينات في بيروت المقسومة كترانس أو كمثلي/ة، وماذا يعني أن تحتفل في Ghost أو Acid وماذا يعني أن ترغب الأمومة كترانس. كان من الرائع ولربما من المدهش أن تقرأ هذه القصص لأشخاص لم نتصوّر أنّهنّ موجودات حولنا وربما ظننّا أنّ تاريخهنّ اختفى في طيّات العنف الذي تعرّضنَ له لنكتشف أنّ حالنا ليس أفضل بكثير.

ملصق فيلم «لمن أتين قبلنا» (2025).

بعد ثلاث سنوات من عرض العمل في مركز مينا للصورة، أُقيمَ عرضٌ تمهيديٌّ (preview screening) للفيلم في بيروت في سينما متروبوليس في شهر أيّار. كانت هذه خطوةً ثورية، إذ إنّ العامين الأخيرين شهدا قمعًا ممنهجًا لمساحات مجتمع الميم-عين في لبنان، ترافق مع تهديدٍ وتكميمٍ للأصوات. أتت موافقة الأمن العام على العرض في اللحظات الأخيرة، بحسب محمّد عبدوني، وكانت موافقةً مشروطة بألّا يُعرض الفيلم مجددًا. ورغم أنّ ذلك مؤسفٌ بالنسبة لعملٍ يوثّق قصص نساءٍ ترانس في بيروت، فإنّ ما حدث يبقى محطةً مهمّة، إذ كانت النساء العابرات المشاركات في الفيلم حاضراتٍ في العرض، وعبّرن عن أنّ حدثًا كهذا لم يكن ليحدث في جيلهنّ، وبهذه الطريقة على الأقل. 

طانط قبل الكوير









إعلان فيلم «لمن أتين قبلنا» (2025).

يؤرّخ السرد لحيوات النساء للمرّة الأولى من منظورهنّ هنّ، حيث أنّ النساء يروين قصصهنّ في الفيلم ويتحدّثنَ عن تجاربهنّ في المدينة ومع العائلة وفي الحبّ والأمومة بلغتهنّ الخاصة ومن منظورهنّ وحدهنّ وكأنّ المخرج والكاتب ما هو إلّا تقني يعطي هذه المساحة من دون أن يملي عليهن سردية معينة. اعتدنا سابقاً في لبنان أن نشاهد النساء الترانس في التلفزيون في مقابلات تقدّم قصص الترانس من منظورٍ يركّز إمّا على العنف، أو يرسّخ الترانسفوبيا والهوموفوبيا في لبنان، وغالباً ما تُطرَح على النساء أسئلةٌ عن العنف والمخدرات، ويصبحن أداةً للتنمّر والسخرية والمساءلة، ويُجبَرن على الإجابة عن أسئلة تُشعرهنّ بالعار أو تدفعهنّ للتبرير، فيتمّ تأطير حياتهنّ من منظور ذكوري. يقول عبدوني:

حينما بدأنا التصوير أو التأريخ، كانت النساء يبدأن حديثهن «أول مرة تعرضت فيها للاغتصاب…» كنّا نوقفهنّ عن الحديث ونقول لهنّ، هذا ليس ما نريد سماعه، نريد أن تخبرينا قصتك مثلما تريدين إخبارها… كانت لربما المرة الأولى التي يحصلنَ فيها على هذه المساحة، حتى أنّ «إم عبد» (إحدى المشاركات في الفيلم) أتت في اليوم الثاني ومعها البومات من صورها وقدّمتها لنا لنستخدمها في العمل. وفجأةً أصبحنا نحمل أكبر أرشيف لإمرأة ترانس في لبنان. وهذا كلّه لأنّها كانت المرة الأولى التي تعطى مساحة حقيقية لسرد قصتها. 

يعرض عبدوني قصص النساء من خلالهنّ. فالفيلم عبارة عن صوت نساء يسردن القصص والشاشة تعرض صوراً لهنّ وفيديوهات من حياتهنّ. لكنّ اللافت أنّ النساء العابرات لا يروين قصصهنّ وحسب، بل أيضًا قصص النساء جميعًا، عن الحب، والأمومة، والعبور، والسهر، وعن بيروت نفسها والحرب الأهلية. فهنّ، من خلال أجسادهن وتجاربهن، يُعِدن سرد تاريخ نسائيّ طويل، فنرى قصص الحفلات والحرب من منظور نسائي كأنّهنّ يوسّعن معنى ما نعرفه عن النساء أو عن «الأنوثة» ليشمل كل النساء وبالأخص النساء المهمّشات. 

لقطة من فيلم «لمن أتين قبلنا» (2005)، بإذن من الفنان.

الفيلم غنيّ ليس فقط بقصصهنّ، بل بقصص بيروت من منظور كويري سابق لزمنه، إذ يقدّم هذا المنظور قبل أن يظهر مصطلح «كوير» في المخيال الشعبي، فيرينا كيف كانت هذه الحيوات تعاش وتُروى دون الحاجة إلى المفردة نفسها. تتكلّم النساء من دون عبارات طويلة، يذكرنَ في أول الفيلم أنّ كلمة «طنط» هي الأصح وهي ما ينادين أنفسهن به. ورغم أنّ هذه الكلمة قد تبدو غير صحيحة، لكنّها كلمة استرجعنَها وأصبحت لهنّ، ولم تعد كلمة تستخدم لإهانتهن. النساء لم يعشن في تعريف واحد أو في لغة واحدة، لم يكترثن للـpronouns. ففي أحد المشاهد، تقول أنطونيلا إنّها ندمت على عملية العبور، لم تخف بأن تقول هذا ولم تشعر أنّ عليها أن تعيش نمطاً واحداً من التفكير، وهذا كلّه يلهمني أنا شخصياً، يقول عبدوني.

لقطة من فيلم «لمن أتين قبلنا» (2005)، بإذن من الفنان.

يكشف هذا أيضًا عن مسافةٍ بين اللغة اليومية التي تستعملها النساء في الفيلم، ولغة الجيل اللاحق التي أصبحت أكثر سياسيةً ومفاهيمية. فالفيلم يعيدنا إلى لحظةٍ كانت فيها التجربة تُعاش قبل أن تُعرّف، وقبل أن تصبح المفردات مثل «ترانس» أو «كوير» جزءًا من الوعي العام. لا يمكن أن ننكر أنّ اللغة المفاهيمية الأكاديمية لها الكثير من حسناتها للنضال الكويري، بالأخص في استعادة السردية، لكنّها في الوقت نفسه قد تُبعد الخطاب عن التجارب المعيشة، وتحوّله إلى لغة نخبوية لا تصل إلى من يعيشون الهشاشة يوميًا. فحين تصبح الهوية مصطلحًا أكاديميًا أكثر منها تجربة إنسانية، تفقد اللغة شيئًا من صدقها واتصالها بالشارع والجسد، وهنا ومن خلال لغة النساء، يتمكّن الفيلم من أن يصل للفئة الأكثر حاجةً له.


اللغة المعاشة في وجه القمع

لقطة من فيلم «لمن أتين قبلنا» (2005)، بإذن من الفنان.

بدأ عبدوني العمل على المشروع عام 2019، وكانت «ماما جاد» التي عملت في منظمة «حلم» وهي إحدى المشاركات في الفيلم، من أهم الداعمات لعمله، إذ كلّمت عشر نساء ترانس من جيل الحرب الأهلية في لبنان ودعتهنّ للمشاركة. كان العمل الفني الأول هو جلسات تصوير للنساء. جلبنا لهن ملابس وميك-أب وجميع الأدوات التي يحتجنَ إليها وقلنا لهنّ أن يفعلنَ ما يرغبنَ به للجلسات التصويرية. عملي كان أكثر كتقني، استوحيت تصميم الصور من استوديوهات بيروت في التسعينات، لكن ظهرن هنّ كما يردن، يخبرنا عبدوني. شارك الفيلم قصة أربع نساء، وتُركت القصص المتبقية في الكتاب الخاص بالعمل مع الصور. 

تبدو قصصهنّ أحيانًا وكأنّها من الأحلام: كيف رأينَ بيروت، وكيف يصفنَ السهر فيها، وكيف أنّه، رغم كلّ المآسي التي تُروى، يمكن أن نشاهد مقطعًا كاملًا عن السهر في بيروت، عن كيف وجدت النساء المجتمع الكويري للمرة الأولى، وكيف تعرّفنَ إلى الرقص والاحتفال، وحلمنَ بمشاهدة مادونا، وذهبنَ إلى حفلات المشاهير، ورقصنَ للسياسيين، وتعرّفن إلى المخدرات.

لقطة من فيلم «لمن أتين قبلنا» (2005)، بإذن من الفنان.

الممتع هو اللغة اليومية في التعبير. كيف يروين تجاربهنّ وكأنّنا نجلس معهنّ. هذا ما يجعل نضالهنّ الكويري قريبًا من الجمهور العادي. شعرتُ أنّ أبي أو خالتي يمكن أن يشاهدا الفيلم ويفهما النساء العابرات، لأنّهنّ شاركن جزءًا من لبنان معنا ومع جيلهن، بطريقتهنّ. وأظنّ أنّ هذا أجمل ما يمكن أن يحدث للسرد القصصي، حين تستعيد الفئات المهمَّشة خطابها بلا فلتر، وتسرده ببساطةٍ، بكلّ عفويةٍ، من دون رقابة «الصواب السياسي» أو رقابة الإعلام التقليدي.

كنت بين طونطات طوال حياتي. كنت منذ صغري أسمع أنّني حمودي نعّوم، لكن بكل حبّ، من دون عدوانية. أعلم أنّ والدي كان يطلب منّي أحياناً أن أكون «رجّال»، لكن أخذت الكثير من الحبّ من عائلتي، يخبرنا عبدوني. عرض الفيلم صوراً لعبدوني وفيديوهات له في الخلفية بجانب صور النساء. وجدت الكثير من نفسي في نساء الفيلم وكأنّهن أعطينني الأساليب التي لم أجدها من قبل لأعبّر عن ذاتي. وكأنّه تحليل نفسي أقوم به في العلن. لقد فتحت صوري وفيديوهاتي وبدأت أشاهد نفسي لربما أفهمها من منظورهن. تمكن عبدوني أن يعرض قصص النساء بكل حبّ، فهو الذي ترعرع في طريق الجديدة وجد نفسه في لغة النساء ووجد مكاناً جديداً ليكتشف تاريخه الشخصي، ويمكننا أن نشعر بذلك طوال الفيلم. وجدت نفسي من خلالهن بعيداً عن المصطلحات المتخصصة أو العملية. أظن أنّني فخور لأنّ العمل يمكنه أن يبكي ويضحك المشاهد في الوقت نفسه وأظن أنّ النساء كنّ كريمات جداً معي ومع الفريق ومع الجمهور

لقطة من فيلم «لمن أتين قبلنا» (2005)، بإذن من الفنان.

وفي الحديث عن أهمية اللغة في الفيلم، يحمل  المشروع باللغة العربية اسم «لمن أتين قبلنا» لكن في الانكليزية يحمل اسم «Treat me like your mother» أو «عاملني مثل أمّك»، وهنا لا بدّ أن يلفتنا هذا الاسم كأنّه امتداد لهذه اللغة اليومية التي تتجاوز المفاهيم الأكاديمية والسياسية الدقيقة. فهي أيضًا جملة لا تُعتبر «صحيحة» من منظور الخطاب النسوي أو الكويري الأكاديمي، لكنها في هذا السياق تحمل صدقًا كبيرًا، لأنها تنبع من لغةٍ عاشتها النساء العابرات فعلاً، لغةٍ تتوسّل الرحمة والاعتراف الإنساني قبل أن تُطالب بالحقوق في إطارٍ نظريّ أو مؤسّسيّ.

واللافت في الجملة أنّ الكويرية أو الترانس أو حتى المثلية بعيدة كل البعد عن الأدوار التقليدية للعائلة والأمومة. استخدمنا هذا الاسم أوّلاً بسبب العلاقة الحادّة بين النساء المشاركات وأمهاتهن، فكل امرأة تتحدث عن أمّها بشكل معمّق، مثل قصة جمال عبدو أو حتى كيف حلمت «ماما جاد» بالأمومة وبأن تشعر بألم الولادة، أو كيف عاشت أنطونيلا سنوات من حياتها في الميتم مع الأطفال، يخبرنا عبدوني. الاختلاف بين العنوان الانكليزي والعربي يشعرنا أنّ العنوان العربي موجّه للكويريين/ات، والانكليزي العكس تماماً. أعتقد أنّ الفيلم سيفقد الكثير في الترجمة، لن يفهم الجمهور الأجنبي الفرق بين اللكنات اللبنانية المختلفة للنساء، لن يفهموا الكثير من العبارات، يعلّق عبدوني.

تتقاطع هذه العبارة مع النضال النسوي، حيث استخدمتها النسويات لسنوات لمخاطبة الرجال، حتى أصبحت غير مقبولة سياسيًا لأنها تربط قيمة المرأة بعلاقتها بالرجال، بدلًا من ربطها بإنسانيّتها واستقلالها. لكنّ استخدام هذه العبارة مع نساء ترانس يحمل الكثير من القوة، إذ لا ينظر الرجال عادةً إلى النساء الترانس كما ينظرون إلى أمهاتهم أو شقيقاتهم، وحتى النساء أنفسهن قد لا يعترفن بهنّ كنساء. وهناك اختلاف بين النسويات في اعتبار النضال الكويري نسويًا وفي اعتبار «الطنطات» نساء، حيث ترى بعضهن أن العنف الذي تتعرض له النساء البيولوجيات يختلف. كما أن هناك خطابًا نسويًا سائدًا يُقدّس الأمومة والقدرة على الإنجاب، مما يجعل العنوان محل اعتراض، لأنه يقارن بين الأم والنساء الترانس. لكن هذا ما يمنحها قوّتها الرمزية، فهي تُعيد طرح سؤال من يملك حقّ التعبير عن «الأمومة» و«الأنوثة»، وكيف تُعرَّف «التقاطعية». العنوان هنا ليس استفزازًا، بل استعادة لجملة كانت تُستخدم لطلب الرحمة، لتصبح اليوم أداةً لطلب الاعتراف.


لكن لمن تفعل كلّ هذا؟

لقطة من فيلم «لمن أتين قبلنا» (2005)، بإذن من الفنان.

أفعل كل هذا لأجلي ولأجل النساء، لكن هذا العمل متاح للجميع ويمكن أن يفهمه الجميع. أشعر أنّ هذا الفيلم أو المشروع يتحدى نوعاً من السردية تمّ لصقها بالمجتمع العربي الكويري وكأنّه مجتمع لا يمكن أن يعبّر. كما لا يمكن أن ننسى الغسيل الوردي الذي تتبعه إسرائيل. أشعر أنّ عملاً كهذا يمكنه أن ينشر سردية الأفراد كما هي، وكأنّهنّ يسترجعن هذه السردية ويخبرن قصصهن بأنفسهن. حينما قابلنا النساء، لم نضع أي حدود لهنّ وكانت المقابلات تعكس قصصهنّ من دون تنميط. والنساء كنّ كريمات جداً معنا وشاركنَنا الكثير وحتى الكثير من الصور وأنا ممتنّ لهنّ. 

هكذا يقول عبدوني، قبل أن يستكمل حديثه: 

في وسط كل هذا الغسيل الوردي ومحاولة سرقة سرديتنا وتشويهها، هذا الفيلم ليس فقط أداة لتأريخ القصص والروايات، بل هو وسيلة للاحتفال بالنساء، وهو شكر لهنّ على ما مررنَ به قبلنا. واليوم أشعر بالفخر أنّ العرض التمهيدي في بيروت معهنّ. ففي وقت تحذف الرقابة مشاهد لترانس في أفلام أجنبية، أشعر بالأمل أن يحدث هذا هنا وأن تتمكن النساء المشاركات من أن يكنَّ شاهدات على هذه اللحظة.

هناك نوع من الامتنان شعرت به حينما شاهدت الفيلم، امتنان تحديداً تجاه النساء فيه. فحينما تشاهد كيف عشنَ ببيروت القديمة، تشعر أنّهن عبّدن الطريق لنا، للجيل الجديد، فنشعر أنّنا ما كنّا لنعيش ما نعيشه اليوم لو لم يأخذنَ هنّ كل تلك الخطوات ليكسرنَ حاجز الخوف من المدينة ويكتشفنَ كل شيء عنها ويبقينَ على قيد الحياة رغم كل شي. ورغم أنّ النساء يتحدّثن عن بيروت القديمة برومانسية وحبّ ويروين قصّتها بكل بساطة ومن وجهة نظرهنّ، حتى أنّهنّ يفضّلنَها على بيروت الجديدة، يبقى لهنّ دور كبير في خلق هذه الصورة عن بيروت القديمة.

لقطة من فيلم «لمن أتين قبلنا» (2005)، بإذن من الفنان.

أشعر أنّ بيروت القديمة كانت أكثر أماناً، وهذا ما عبّرت عنه النساء المشاركات أيضاً. كان هناك الكثير من الحبّ وكانت العدوانية أقلّ، حتى أنا ابن طريق الجديدة، أشعر أنّ طفولتي لم تكن سيئة بل كنت أتلقى تعليقات تحمل الكثير من الحبّ، حتى لو كانت غير صحيحة. يعلّق عبدوني عن بيروت اليوم وبيروت الماضي. 

أنا شخصياً، في صغري في بناية منزلنا في برج البراجنة في الضاحية الجنوبية عاش شاب اسمه ربيع له شعر طويل ويمكن القول أنّ تصرفاته «أنثوية» أو كالنساء وهو كوافير. كانت أمّي تحب ربيع كثيراً، يشرب معها القهوة وتقول لي حرام ربيع هو هيك بس هو بعيّش أهلو لأنّه كوافير مهم. ورغم أنّ البناية كانت في حيّ شعبي، لم يتعرض ربيع للأذى يوماً، وحتى أمّي كانت تعامله بحب واحترام، وحتى تعليقاتها الصغيرة عن تصرفاته، لم أشعر أنّها غير صحيحة أو محمّلة بالترانس-فوبيا. فأمّي لا تعرف ما هو الصواب السياسي وما هي الكويرية وما هي الترانس والـpronouns، وحتى أنا لم أعلم كل هذا. كل ما كنّا نعلمه هو أنّ ربيع، مثل الفتيات، يعيل عائلته لأنّه كوافير مهم، ويحظى باحترام الحيّ وحبّ العائلة. أعلم اليوم أنّ ربيع ترانس، أعلم هذا جيداً وأعلم أنّ الحيّ لم يعنّفه يوماً لأنّه مختلف، وهذا كافٍ لي لأتعلم عن الحبّ. 

تكلمت النساء في الفيلم كيف أنّ لهنّ صديقات ترانس قُتلن، كيف هنّ محظوظات أنّهن على قيد الحياة، تكلمن عن الحبّ وعن كيف وجدنَ السعادة في السهر وفي كلوبات الروشة، وفي الرقص، وكيف كان الرجال المثليون رافضين لوجودهنّ في أماكن السهر لأنّ الأنوثة كانت تحمل وصمة كبيرة. سآخذ الكثير من هذا الفيلم عن الحبّ والأمومة والسهر في بيروت، وكيف وجدت نفسي، أنا أيضاً، في السهرات الكويرية في بيروت، مثلهن تماماً. سآخذ الكثير عن بيروت القديمة والحرب الأهلية وسأشعر بالفخر أنّني شاهدت فيلماً عن نساء بيروت الترانس في بيروت مع النساء أنفسهن.


العرض العالمي الأول لفيلم «لمن أتين قبلنا» سيكون في مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية، في 15 تشرين الثاني 2025. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً