أتُضاء الصخرة أم لا تُضاء؟ سؤالٌ يبدو تافهاً، لكنّه ألهب الحياة السياسية اللبنانية، ما أن أعلن حزب الله عن فعاليّة إضاءة صخرة الروشة بصورتَي حسن نصر الله وهاشم صفي الدين في الذكرى السنوية لاغتيالهما. فما حصل قبل الإضاءة وخلالها وبعدها كان أشبه بحرب أهليّة مُصغَّرة ورمزيّة.
لا يهمّ مَن أخطأ ومَن لم يخطئ، أي إن كان حزب الله، بقراره إضاءة الصخرة بصورة أمينَيه العامَّين السابقَين، يسعى إلى استفزاز الجماعات اللبنانية الأخرى أم لا، أو إن كان نواف سلام مصيباً أم لا في إصداره تعميماً شدّد فيه على منع استعمال الأماكن العامة من دون الحصول على تراخيص وأذونات. لا يهمّ ذلك، فالسؤال الأساسي هو: كيف تحوّل هذا الحدث الصغير، الذي كان يمكن أن يمرّ مرور الكرام، إلى أشدّ أزمة سياسيّة واجهتها حكومة نواف سلام حتّى الآن؟ ما الذي حصل فعلاً في منطقة الروشة، وما هي المعاني التي استحوذت على تلك الفعاليّة؟
أوّل ما يُلحَظ أنّ الفعاليّة رافقتها مشاعر عنيفة جدّاً لدى الطرفَين– جمهور حزب الله والجمهور المناوئ له– وهي مشاعر لا يستطيع الحدث نفسه تفسيرها أو تعليلها. كأنّ ما جرى هو غير الذي رأيناه بأعيننا. كأنّ ما حصل إنّما كان أمراً مصيريّاً يتجاوز بكثير مسألة إضاءة الصخرة. فما هو هذا الطيف الذي ألقى بظلاله على الحدث فأثار تلك الانفعالات الهائلة؟
إنّه سلاح حزب الله الذي أقرّ مجلس الوزراء نزعه قبل أقلّ من شهرَين– وقد أعلن الحزب يومذاك أنّه سيتعامل مع القرار وكأنّه غير موجود. وخلافاً لتوقّع الكثيرين، لم يحصل أيّ صدام، فمرّت الأمور بسلاسة نسبيّاً.
لكنّ الصدام الذي ظننّا أنّنا تفاديناه قد جرى تأجيله فحسب، ولا يزال ينتظر فرصة الانفجار. وما حصل في منطقة الروشة كان نوعاً من البروفا لهذا الصدام المؤجَّل. لقد شكّلت فعالية إضاءة الصخرة تكثيفاً لزمنَين: الماضي القريب، أي قرار الحكومة حصر السلاح والنزاعُ الأهلي الذي جرى تجنّبه، والمستقبل القريب، أي النزاع الأهلي الذي يلوح في الأفق.
كأنّ الطرفَين أرادا أن يمتحن أحدهما الآخر في معركة افتراضيّة تشبه عرضاً مسرحيّاً، قبل خوض المعركة الحقيقية: معركة السلاح. هذا ما يُفسِّر عنف المشاعر التي رافقت الحدث، وما يُفسِّر أيضاً أنّ نواف سلام تصرّف كمن خسر معركة، فألغى مواعيده لليوم التالي، كجنرال يريد إحصاء خسائره والتخطيط للخطوة القادمة. وهذا ما يُعلّل نشوة النصر التي تملّكت جمهور حزب الله: فقد خاضوا حرباً أهليّة مُصغَّرة ورمزيّة، أطاحوا فيها بعدوّهم نوّاف سلام «الصهيوني».
لكن ما حاجة كلا الطرفَين إلى هذا الأداء المسرحي الذي لن تسفر عنه أي نتيجة في عالم الواقع؟ وما سبب الشعور بأنّ ما جرى كان نكتة سمجة لعب فيها كلٌّ من الطرفَين دوراً هزليّاً؟ الجواب يمكن اختصاره بكلمة واحدة: العجز.
فالحكومة عاجزة عن حصر السلاح بيدها، وإيقاف الاعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة، والشروع في إعادة الإعمار، وتنفيذ الإملاءات الأميركيّة... إلخ. إنّها تراوح مكانها، منتظرةً حدوث شيء ما، والأرجح أنّها لا تدري ما هو. أمّا حزب الله، فهو عاجز عن أداء الوظيفة التي تُشكِّل علّة وجوده: مقاومة إسرائيل وردع عدوانها. وهو أيضاً يراوح مكانه، مؤجِّلاً البتّ بمسألة سلاحه ومنتظراً حدوث شيء ما.
عجزٌ من هنا وعجزٌ من هناك إذاً، وقد اصطدما في منطقة الروشة. فأمام الصخرة، خاض حزب الله معركةً مع إسرائيل، لكن مستبدلاً إيّاها بعدوٍّ داخلي «صهيوني». وأمام الصخرة أيضاً، خاضت الحكومة معركة سيادتها المُرجأة بل المُتعذِّرة. ويبدو أنّ كُلّاً مِن الطرفَين نجح في خداع نفسه، فظنّ أنّ المعركةَ حقيقيّةٌ وليست مجرّد أداء هدفه التنفيس عن إحساس عميق بالعجز. هكذا تحوّل شجارٌ هزليّ إلى عرض ملحميّ أشعل حماسة جميع اللبنانيين.