تعليق إسرائيل
صهيب أيّوب

ميليشيات غزّة 

أدوات إسرائيليّة وبدائل هشّة

2 تشرين الأول 2025

تسعى إسرائيل، منذ تدميرها قطاع غزة وإبادة سكانه، إلى إدارة حياة القطاع من خلال توزيعها ميليشيات غزّاويّة في القطاع وتمويلها لقيادات ذات تاريخ سيّئ السمعة. الهدف من هذه الاستراتيجية تسليم إدارة القطاع لتلك الميليشيات بالتزامن مع خطة دونالد ترامب لتحديد مصير القطاع النهائي. 

وسط أنقاض الحرب والدمار الذي تركته المجازر، تفرض إسرائيل تجربة عسكرية وسياسية غير مسبوقة، وصفها بعض المراقبين والصحف العبرية بخطة «الاحتلال الجزئي» أو «التسليم الميداني». تقوم هذه التجربة على مبدأ مزدوج: احتلال الجيش الإسرائيلي لمنطقة محدّدة، تطهيرها عسكرياً من أي مقاومة، ثم تسليم إدارتها الأمنية إلى ميليشيات محلية مسلّحة، غالباً ما تكون من خلفيات قَبليّة أو بدويّة.

تمّ تجهيز هذه الميليشيات بأسلحة متقدّمة وتزويد أفرادها وتدريبها، مع منحها صلاحيات واسعة تُستمَدّ مباشرة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، وبالأخص «الشاباك». والهدف هو خلق قوى محلية تستطيع فرض السيطرة على الأرض بفعالية، مع تقليل الحاجة إلى التواجد العسكري الإسرائيلي المباشر، ما يضفي على الاحتلال بعداً «شبه مستقل» من حيث الإدارة المحلية.

كما تمّ إعطاء هذه القوى دورًا في السيطرة على الموارد وإدارتها، خصوصاً في ما يتعلق بالمساعدات الدولية التي تسمح لهذه الميليشيات بسرقتها وتلفها أحياناً أو تقنين توزيعها للسيطرة على الغزيين وإخضاعهم. فمهمّة هذه الميليشيات تتقاطع أولاً في الأمساك بقوافل الإغاثة ونشر الرعب في الأحياء المهمشة، وترهيب المؤيدين لحماس وخلق تصدعات اجتماعية تعيق أيّ تعافٍ لاحقاً.  


خلقُ نموذج حُكم

بدأ تنفيذ التجربة منذ أشهر بصورة سريّة، لكنها بدأت اليوم تأخذ شكلاً معلناً مع ظهور قيادات ميليشيوية في مناطق أصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. يبعث هذا التحوّل برسائل داخلية، حيث يريد نتنياهو أن يبرهن للحكومة الإسرائيلية وللرأي العام الإسرائيلي جدوى هذه الاستراتيجية في تقليل الخسائر البشرية والمالية، ورسائل إلى الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية والمجتمع المدني في غزة بأن إعادة تشكيل المشهد الأمني والسياسي يتمّ عبر وكلاء محليين مسلحين، لا عبر مؤسسات مدنية أو سلطة شرعية تقليدية. وهذا ما يريده نتنياهو لتشكيل صورة غزة المستقبلية تحت حكم إسرائيلي كامل.  

على المستوى الأمني، تهدف إسرائيل من هذه التجربة إلى تقليص المواجهة المباشرة مع الفصائل المسلحة التقليدية، مثل حماس والجهاد الإسلامي، وتحويل النزاع إلى مواجهة غير متكافئة من خلال وكلاء محليين مدربين، قادرين على فرض الأمن الجزئي في مناطق محدّدة. غير أن هذا المسار يساعد إسرائيل ايضاً في خلق تصدع محلي يؤدي الى إعادة إشعال العنف وتفجير نزاعات  بين الفصائل أو بين الميليشيات نفسها، وهو ما يجعل إسرائيل تتذرع بالتدخل وبقلقلة الوضع الغزي في المستقبل. 

وتمثل هذه الخطة محاولة لإعادة هندسة السيطرة على الأرض بأسلوب إداري مسلح، بدلاً من الإدارة المدنية التقليدية، لكنها تفتح الباب أمام دوامة جديدة من الانقسامات والنزاعات المحلية، وتضع مستقبل استقرار غزة على صفيح ساخن بين التجربة الميدانية الإسرائيلية وواقع المجتمع الفلسطيني المعقد.


من هي هذه الميليشيات؟

مجموعة ياسر أبو شباب: يُعَدّ ياسر أبو شباب من القادة المحليين الأهم في غزة حالياً. يقود مجموعة مسلحة تعرف بـ«القوات الشعبية». وتشير التقارير الصحفية والاستخبارية أن إسرائيل تدعم مباشرة ميليشيا أبو شباب وتزوده بالسلاح والتدريبات الخاصة لمواجهة عناصر متبقية في حماس أو في الجهاد الإسلامي. 

وُلد ياسر أبو شباب في العام 1993 في رفح (جنوب قطاع غزة)، وهو من قبيلة الترابين البدوية. انخرط باكراً في تهريب المخدرات والسلع عبر الأنفاق بين غزة ومصر. وفي العام 2015، اعتقلته حركة حماس بتهم تتعلق بالاتجار بالمخدرات وحكم عليه بالسجن لمدة 25 عاماً. ومع بداية الإبادة تمكن من الهروب من السجن وبدأ بتشكيل الميليشيا الخاصة به. وتُتّهَم ميليشيا أبو شباب بالقيام بعمليات نهب للمساعدات الإنسانية التي تدخل عبر معبر كرم أبو سالم، حيث ادعت المجموعة توفيرها الحماية لقوافل الإغاثة، بينما تشير تقارير إلى تورطه في سرقة تلك المساعدات. في شهر حزيران الماضي، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل قدمت دعماً عسكرياً للميليشيا. وتسيطر ميليشيا أبو شباب على مناطق في شرق رفح، حيث أنشأت خياماً تستخدم كمراكز عمليات. 

ميليشيا حسام الأسطل: تعتبر ميليشيا حسام الأسطل من أبرز الجماعات المسلحة المعارضة لحركة حماس في قطاع غزة، حيث ظهرت في مناطق جنوب القطاع، وتحديداً في خان يونس، تحت اسم «القوة الضاربة ضد الإرهاب». وحسام الأسطل هو ضابط سابق في جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية، وُلد في خان يونس العام 1975. خلال التسعينيات، ارتبط اسمه بتهم التخابر مع الاحتلال الإسرائيلي، وكان يشتبه في تورطه في اغتيال العالم الفلسطيني فادي البطش في ماليزيا في العام 2018. وفي العام 2022، أصدرت المحكمة العسكرية في غزة حكماً بالإعدام عليه في قضية التخابر، إلا أنه تمكن من الهروب خلال الإبادة الأخيرة. وتعمل ميليشيا الأسطل في منطقة قيزان النجار، جنوب شرق خان يونس، وهي منطقة مهجّرة بفعل العمليات العسكرية. يقدم الأسطل المأوى والطعام والماء للنازحين، ويشرف على بناء مخيمات لإيواء مئات الأشخاص. وتقوم مجموعته بالاشتراط على النازحين الخضوع لفحوص أمنية للتأكد من عدم ارتباطهم بحركة حماس. وتشير تقارير إلى أن مجموعته تتلقى دعماً من إسرائيل، بما في ذلك المعدات العسكرية والموارد اللوجستية.

ميليشيا أشرف المنسي: تعتبر ميليشيا أشرف المنسي إحدى الجماعات المسلحة الناشئة التي ظهرت في مناطق شمال غرب المدينة، وتحديداً في حي الشيخ رضوان ومخيم جباليا. وتعلن عن نشاطها العلني ضد حركة حماس. وأشرف محمد محمود المنسي، المعروف بلقب أبو كنان، هو سجين سابق مرتبط بقضايا أمنية، وكان يعد من الشخصيات المثيرة للجدل في غزة. وكان قد تورط في قضايا تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث شكل شبكة إجرامية مكونة من حوالي 20 عنصراً من أصحاب السوابق في قضايا المخدرات والسرقات، مقابل المال والمخدرات والحماية من قبل قوات الاحتلال. 


 قيادة الموارد ونهبها

الخطير أن هذه الميليشيات يقودها أشخاص أصحاب سجلات مثقلة بالانتهاكات أو بالارتباطات الخارجية أو بتورطها في اقتصاد الحرب. وهذا ما تريده إسرائيل عملياً، بأن يتم قيادة الموارد المخصصة لإعادة الإعمار لاحقاً، والسيطرة عليها أو تبديدها ليظل الغزيون من دون إعمار حقيقي. فهي تترك لهذه الميليشيات امكانية للنهب والاحتكار والتحكم بتوزيع المساعدات الإنسانية، واستغلالها لإحكام النفوذ على السكان، وتفتح الباب لخروقات أمنية، ستتخذها إسرائيل ذريعة لمواصلتها التحكم بالقطاع لفترة طويلة الأمد.

وتلقى هذه الخطة استجابة ضمنية لدى الدول الغربية، إذ تبدو لها هذه الميليشيات حلاً ميدانياً لتجاوز عراقيل المرحلة القادمة. إذ يمكن أن تعمل بالوكالة، لنزع سلاح بعض المجموعات أو لفرض سيطرة على أحياء محدّدة، أو لعزل خلايا مسلّحة يصعب الوصول إليها بغير ذلك. هذه الوكالة ستوفر حتماً الغطاء المحلي لخطط خارجية مهيمنة وتمنحها مشروعية أمام الرأي العام. 


تحذير إسرائيلي من خطوة نتنياهو

ووفق تقارير إسرائيلية، جرى إدماج مواقع هذه المجموعات في منظومة القيادة والسيطرة العسكرية، بحيث تعامل أحياناً كجزء من الخطة العملياتية نفسها. لكن أصوات التحذير ارتفعت من داخل إسرائيل نفسها. وصف المراسل العسكري في «يديعوت أحرونوت» يوآف زيتون التجربة بأنها قد تتحول إلى «فخ استراتيجي»، محذراً من أن هذه القوى قد تتمرد في المستقبل أو تتحول إلى أداة ابتزاز ضد إسرائيل نفسها. أما يانيف كوبويتش في صحيفة «هآرتس»، فذكّر بأن لجوء إسرائيل إلى ميليشيات محلية ليس جديداً، مستعيداً شبح مجزرة صبرا وشاتيلا في العام 1982، عندما ارتكبت ميليشيات موالية لإسرائيل جرائم جماعية تحت غطاء عسكري. ووصف الخبراء الأمنيون المشروع بأنه نموذج سوداني يزرع في غزة، أو نسخة محلية تشبه قوات حميدتي في السودان أو قوات حفتر في ليبيا، قوى مسلحة تنشأ من فراغ سياسي وتتحول لاحقاً إلى لاعب مستقل يصعب ضبطه.


يظهر التاريخ الحديث أن هذه السياسات نادراً ما تنجح في تأسيس بدائل وطنية. ففي العراق بعد العام 2003، أدّت سياسة اجتثاث البعث عبر الاعتماد على زعامات محلية وعشائرية إلى إعادة تشكيل الفضاء السياسي على قاعدة المحاصصة والانقسام الطائفي، ما أسهم في صعود الميليشيات العابرة للحدود. وفي لبنان بعد الحرب الأهلية، أعادت اتفاقات التسوية دمج قوى الحرب في مؤسسات الدولة بدلًا من تفكيكها، فتحولت الميليشيات السابقة إلى أحزاب سياسية وعسكرية استمرت في التحكم بالقرار الوطني إلى اليوم. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
تحليل

عامٌ على نهاية سوريا الأسد

محمد علي الأتاسي
نعيم قاسم: تعيين مدني بالميكانيزم تنازل مجانيّ لإسرائيل
60,000 بطريق إفريقي ماتوا جوعاً
دول انسحبت من يوروفيجن اعتراضاً على مشاركة إسرائيل
شكوى ضدّ مايكروسوفت بتهمة تخزين بيانات استخدمها الجيش الإسرائيلي
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025