ربما بات من المألوف، إلى حدّ الاعتياد المؤلم، أن نرى ونعيش في منطقتنا أخبار تعنيف النساء وقتلهنّ، والتحرّش بهنّ، وجرائم الاغتصاب، والحرمان من الميراث، والتحكّم بحياتهنّ اليوميّة، وصولًا إلى التلاعب بهنّ والإساءة العاطفية لهنّ. ومع أخذ السياقات الطبقية والاجتماعية وموازين القوى في الاعتبار، قد نرى نساءً يمتلكن امتيازاتٍ أكثر من غيرهنّ، من طبقاتٍ مفقّرة أو خلفياتٍ محافظة أو بلا رأسمالٍ اجتماعي. ومع ذلك، يبقى توحّش النظام الأبوي في منطقتنا لا يرحم أحدًا. فحتّى اللواتي يملكن المال، والرأسمال الاجتماعي، والنفوذ، والشهرة الواسعة كالعديد من الفنّانات، لا يُفلتن بالضرورة من سطوة الرجل المتسلّط، إذ لا يُجرّده المجتمع من حقّ الوصاية على النساء مهما كانت مكانتهنّ. في هذا المقال، نتناول هذا العنف المنهجي في عالم الفن، من خلال قصص فنّانات تعرّضن لأنواع مختلفة من العنف الذكوري.
فيروز التي صنعت عاصي ثمّ هربت
اتّسمت علاقة الفنّانة فيروز بالملحّن عاصي الرحباني بالجدلية؛ إذ يُحكى عن تعامله معها كسلعة فنّية وتحكمه باتّخاذ القرارات المتعلّقة بغنائها وتسلّطه عليها، كما رَوى زياد الرحباني بعضًا من خلافات والدَيه. وفي علاقة تداخل فيها الفن بالشخصي، تركت فيروز بيتها، هجرت عاصي، وقطعت شراكتها الفنّية به، إذ اضطرّ إلى «استبدالها» في مسرحيّاته التي لم تلقَ النجاح المنتظر بغياب عمود الأساس: فيروز.
بدأت ملامح علاقة عاصي الرحباني بفيروز تُرسَم خارج أو بالتوازي مع علاقتهما الفنّية، والتي يُمكن أن نُلخّصها بدينامية التلميذة والأستاذ، بكلّ ما تحمله من اختلال بموازين القوى، إذ كانت فيروز الفتاة الخجولة التي تحمرّ وجنتاها لو مُدح صوتها، وعاصي، الموسيقار الكبير والمعروف، الظاهر كدكتاتور فني لا يقبل الخطأ أبدًا، صارم، ومندفع، وفخور حتّى الثمالة بإبداعه. وكتبت الإذاعة، حسب مقالة محمود الزيباوي، في هذا السياق:
كان الاعتقاد السائد في الأوساط الفنية أنّ المطربة فيروز على وشك أن تعقد خطبتها على الملحّن عاصي الرحباني، لا سيّما أنّها تدين له بالفضل الكبير في شهرتها ونجاحها الفني المنقطع النظير. وتجرّأت إحدى الزميلات فنشرت نبأ زواجهما، ممّا دفع المطربة فيروز إلى وضع حد لهذه الشائعات والقول بصراحة إنّه ليس بينها وبين عاصي سوى علاقة التلميذة الوفية بأستاذها المخلص لها.
ثم تزوّجا. وكانت هذه العلاقة مشوبة بكثير من الصعود والنزول والصراعات الداخلية، كما أنّ خلافاتهما المتكرّرة، والمتواترة، تسرّبت إلى الأوساط المحيطة، ثم إلى الجمهور، حيث بدأت الإشاعات تنتقل عن طلاقهما، أو خلافهما، وحتّى حديث عن التعنيف النفسي، أو الضغوط التي كان يمارسها عاصي على الفرقة، ومنها السيّدة فيروز، إذ انتشرت في السبعينيات إشاعة عن دخول فيروز مشفى الأمراض العصبية بعد نبأ عن خسارة عاصي الرحباني مبلغ مليونَي ليرة في لعب القمار؛ الأمر الذي اضطرّهما إلى الخروج في لقاء تلفزيوني لتوضيح الأمر ونفيه، بحسب ما ذكر الصحافي فارس الذهب في مقاله. وكان عاصي في ذاك اللقاء مسترخيًا منسجمًا مع المكان كعادته، بينما بدت فيروز منزعجة وقلقة بعض الشيء، وكأنّها غير مرتاحة لكل ما يجري.
تعترف فيروز بقسوة عاصي في مقابلات عدّة، فتقول: كان عاصي صعب كتير بالفن وقاسي… وأنا بنت هالمرحلة القاسية.
متابعةً: أنا ما اخترت شي باللي عملته، كان من اختياره، وإصراره عليي، وأنا خاف كتير، جرب ما اقبل… لما يقرّر شي، كان يمشي فيه وما يهمه مواقفي. كما تتحدّث فيروز في هذه المقابلة عن قسوة العمل مع عاصي: الساعة ما إلها مطرح بشغلنا ومرق سنين هيك.
هذه الاعترافات الهادئة، تطرح تساؤلات عن التنازلات التي قدّمتها السيدة فيروز في علاقة التلميذة والأستاذ، وعن كل ما قد يعانينه الفنّانات من تحكّمٍ وسيطرةٍ وسطوةٍ ذكوريةٍ خلال مسيراتهنّ. تجعلنا بشكلٍ أو بآخر نفهم الأسباب التي دفعت فيروز للهرب من عاصي وهجره عاطفيًا وفنّيًا.
وفي مقابلةٍ معه، يقول عاصي بعدما هجرته فيروز: فيروز راحت وما قالتلي ليش راحت، طوّلت وما رجعت شو بدك ياني أعمل؟ كما ردّ على سؤال المذيعة «هل فيروز غابت عن العمل الرحباني أم عن البيت الزوجي؟»، بالقول: منيح انو فيروز بعدها عم تغنّي بس المهم انه تربي هالولاد، هيدا اللي بهمّني أكتر. في محاولةٍ واضحةٍ لتأطير فيروز بدور الأم، بالرغم من أنّه هو، مَن كان يقسو عليها فنّيًا ويضعها لساعات طويلة داخل الاستديو للتسجيل. كما أنّ عاصي في أغلب لقاءاته، يزعم أنّه هو مَن علّمها ودرّبها وأهّلها لتكون مطربة، رغم معارضة كُثر، ومنهم شقيقه منصور. واختار لها اللون والشكل والطبقة، والملبس والمظهر والشخصية. في محاولةٍ لصنع مطربةٍ بمقاييسه الفنّية، بغضّ النظر عنها هي. وفي نفس المقابلة، تسأل المذيعة عاصي «فيروز عندها مشاريع فنّية خارج الرحابنة؟» فيردّ عاصي بنبرةٍ تشوبها السخرية: بتقول، أنا ما بعرف، عملت اسطوانة مع زياد.
لا أُسائل هنا مَن صنع الآخر أو الأخرى، فيروز أو عاصي، لكنّني أطرح فقط ديناميّة قوى واضحة، وأدوات سيطرة لم تُساءَل، لأنّ الفاعل هو عاصي، والإنتاج هو فيروز، بكل نجوميّتها، لكن ماذا يكمن خلف كلّ هذه النجومية وهذا الفن؟
نموذجٌ واضحٌ لتشابك العلاقة العاطفية / الزوجية مع السطوة والسلطة المهنية والذكورية داخل الوسط الفنّي، حيث امتدّ نفوذ الرجل ليشمل كل تفاصيل حياة فيروز. عنفٌ رمزي، نسينا الإشارة إليه أثناء استماعنا لصوتها العذب وإنتاجها الغزير.
تجربة فيروز تكشف الهيكلية البنيوية للعنف ضدّ النساء داخل الوسط الفني، الذي لا يقتصر على العنف الجسدي أو المباشَر، بل يشمل أيضًا السيطرة الرمزية والإقصاء النفسي، ما يبرز أهمّية قراءة قصص الفنّانات ضمن سياق موازين القوة والهيمنة الذكورية، بدل الاكتفاء بالتمجيد الفني والتاريخي.
سوزان تميم التي قتلها هشام طلعت ومشى على السجادة الحمراء
في بلاد قهر النساء، يُقابَل رفضهنّ بالقتل، وتكريم القاتل لاحقًا على سجّادة حمراء. إنّ قصّة قتل المغنّية اللبنانية سوزان تميم تؤكّد أنّ العنف حين يستقرّ في البُنية، لا يلتفت إلى الشهرة ولا يحترم النجومية.
تعرّفت سوزان على رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى نجل الرئيس التنفيذي لمجموعة عقارية ضخمة، وصاحب امتيازات سياسية آنذاك. وساعدها هشام على الطلاق من زوجها، ثمّ دخلا في خلافات ورفضت الزواج منه، وهربت إلى لندن ثمّ إلى دبي حيث اتّفق هشام مع الضابط السابق محسن السكري ومدير أمن شركاته وصديقه على قتلها مقابل مليونَي دولار عام 2008.
قتل السكري سوزان طعنًا حتّى الموت في شقّتها. حُدِّدَت هُوية القاتل، واعتُقل في مصر، اعترف بالجريمة وحُكِم عليه بالإعدام. لكن جرى تخفيف الأحكام إلى السجن 15 سنة بحق هشام، و28 سنة للسكري. لم ينتهِ مُسلسل الاستخفاف بقتل سوزان هنا، بل إنّ عفوًا طال السكري بعدما أفرجت السلطات المصرية عنه بمقتضى عفو رئاسي بمناسبة عيد الفطر عام 2020. كذلك استفاد المُحرِّض على الجريمة هشام طلعت مصطفى من عفو صحّي عام 2017، ليعود إلى ساحة الأعمال والأموال عبر مشاريع سياحية جديدة ويضاعف نشاط شركاته.
لا يكفي أن يخرج قاتلٌ ومُحرّضٌ على القتل من السجن، بل سوف يمشي على سجّادة حمراء مُكرَّمًا خلال افتتاح المتحف المصري الكبير مؤخّرًا. ولاقى حضور رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، مع عائلته جدلًا واسعًا على منصّات التواصل الاجتماعي. إذ شارك هشام في الافتتاح، بصفته الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة طلعت مصطفى القابضة، أحد الشركاء الاستراتيجيّين للمتحف. وفي ذلك أبرز مثال عن كيف تُحوّل السلطة مُحرِّضًا على قتل امرأة من مجرم إلى نجم يفتتح المتحف المصري الكبير.
يُذكر أنّ هذه لم تكن أوّل طعنات الرجال في ظهر سوزان، فقد تزوّجت سابقًا من منظّم الحفلات والمنتج اللبناني عادل معتوق الذي رفض الطلاق منها واحتكر أعمالها، رافعًا دعاوى قضائية ضدّها ضيّقت عملها الفنّي. ثمّ تزوجت من الرياضي العراقي رياض العزاوي الذي انفصلت عنه بعدما اكتشفت تعدّد علاقاته واستغلاله لها ماديًّا.
مقتل ذكرى التونسيّة والغموض ما بين زوجٍ مُتسلّط وأنظمةٍ قمعية
بخمسة عشر رصاصة في الصدر والرأس، قتل رجل الأعمال أيمن السويدي زوجته الفنّانة ذكرى التونسية، ثم قتل مدير أعماله وزوجة مدير الأعمال، ودخّن سيجارةً على الشرفة قبل أن ينتحر. بهذه التراجيدية المؤسفة، انتهت ذكرى، الفنّانة التي لمع نجمها في التسعينات وبداية الألفية.
وفي عالم يُبرّر قتل النساء بأتفه الأسباب، حتّى لو كنّ صاحبات امتيازات أو فنّانات، كانت «تهمة» ذكرى أنّها تعود في وقتٍ متأخّرٍ بسبب ارتباطاتها الفنّية. يُحكى أنّ الزوج انتقد انشغالها بالحفلات وطلب منها أن تتفرّغ له «كزوجة» وتترك الفن لكنّها رفضت. كما نُقِلت أيضًا رواية مفادها أنّ الزوج اشتبه بخيانة زوجته، ما فجّر المشاجرة بينهما قبل الفاجعة.
إلى جانب السرد الرسمي، ظهرت بعد الجريمة روايات غير مثبتة تشير إلى أنّ مقتل ذكرى قد ارتبط بأغنية انتقدت فيها الأنظمة القمعية في المنطقة، بينما تحدّثت عائلتها في الإعلام عن احتمال تورّط شخصيات سياسية نافذة، وضغوط مورِست على العائلة لطمس الحقائق. هذه الروايات لم تُثبَت رسميًا وظلّت ضمن نطاق التأويلات الإعلامية والشعبية.
ببساطةٍ قاسية؛ رجلٌ متسلّط أراد التحكّم بزوجته، أراد الوقوف بوجه مستقبلها وعملها، لم يستطع، فقتلها عندما طلبت الطلاق.
العنف البنيوي الذي حبس شيرين عبد الوهاب في علاقة سامّة
وبالحديث عن التسلّط والسيطرة، هل يمكن أن ننسى المسلسل المطوّل لعلاقة الفنانة شيرين عبد الوهاب مع حسام حبيب؟
القصّة التي لاقَت مساحةً واسعةً في الإعلام ودارت ما بين العلاقة السامّة والتعنيف، وطبقات من الاستغلال والعنف الجسدي والنفسي، والتعلّق المَرضي، وقد أظهرت شيرين بكل هشاشتها أمام الحب، كما أظهرت الوصاية على النساء بأبها حللها حتى إن كُنّ يملكن رأسمالاً اجتماعياً وشهرةً وامتيازات مثل شيرين، فهذا لا يُفلتهنَّ من شِباك النظام الأبوي وسلطته. ومن منظور نسوي، تشكّل علاقة شيرين بحسام مثالًا صارخًا على كيفيّة تداخل العنف العاطفي والنفسي والاقتصادي داخل العلاقات.
منذ السنوات الأولى لزواج شيرين عبد الوهاب وحسام حبيب عام 2018، بدأت الأزمات تتكشّف تباعًا، سواء عبر خلافات متكررة، أم عبر تسريبات صوتيّة كشفت علاقة متوتّرة تحكمها السيطرة. وكان التسجيل الصوتي لوالد حسام حبيب محطّةً محوريةً؛ إذ يتحدّث فيه بصراحة عن رغبة العائلة بزواج ابنه من امرأة أصغر لتُنجب له، ويصف شيرين بأنّها لا تناسب العائلة اجتماعيًا، ويشير إلى استغلالٍ ماليٍّ محتملٍ، ما يعكس رؤيةً أبويةً ترى النساء مشروع إنجاب أو مصدرًا مادّيًا، لا شريكات كاملات.
عام 2021 ظهرت شيرين أمام جمهورها حليقة الرأس بعد إعلان الطلاق الأوّل من حسام. وقالت إنّها تعاقب نفسها، وإنّ حسام ابتزّها نفسيًا لدرجة دفعتها إلى حلق شعرها تحت الضغط. ثمّ نشرت شيرين شهادات صادمة حول طبيعة العنف الجسدي الذي تعرّضت له، مؤكّدةً أنّ حسام مارس عليها الضرب والسحل والإهانة، وتقدّمت ببلاغٍ رسميٍ عام 2024 تتّهم فيه طليقها بالتعدّي عليها داخل الاستوديو، وهو الأمر الذي أكدّه التقرير الطبي. وعلى إثر ذلك احتُجز حسام للتحقيق بناءً على البلاغ، وأطلق سراحه لاحقًا بكفالةٍ مالية.
ومع أنّ هذه الاعترافات تمثّل دليلًا واضحًا على علاقة مسيئة وسامّة تتأرجح فيها شيرين ما بين الهرب والعودة إلى جلّادها، إلّا أنّ الفنّانة قد أمست ضحيةً لجمهورٍ أوسع ولمجتمعٍ ذكوري يلومها على العودة إلى حسام، ويجلد قصتها، بل يجلد الضحّية في القصّة، إذ اختار جزءٌ من الجمهور التعامل معها إمّا بالسخرية وإمّا بالتشكيك، منشغلين بمظهرها الخارجي أو تصرّفاتها، متعاملين مع محنتها كفرجة عامة، متجاهلين هشاشتها الإنسانية وحقّها في علاقة آمنة وغير مؤذية.
وفي كل هذه المراحل، لعب الإعلام دورًا ملتبسًا، إذ ركّز على الإثارة والفضائح، وأصبحت شيرين مادّةً دسمةً للمشاهدات، بدلًا من مساءلة العنف البنيوي الذي يفرض على النساء الصمت أو العودة إلى علاقات مؤذية.
هذه الدورة المتكرّرة من الانفصال والعودة ليست «مزاجية»، بل تعكس ما تصفه الأدبيات النسويّة بـ«دورة العنف»: مزيج من الوعود، والتلاعب العاطفي، والتبعية النفسية والاقتصادية، والضغط الاجتماعي الذي يدفع النساء إلى البقاء داخل علاقات سامّة رغم الألم.
أصالة وطارق العريان: الانتقام الفنّي كأداة ذكورية للسيطرة
قصص خيانة الرجال للنساء في مجتمعاتنا ليست بجديدة، وفي سياق الفنّانات، نذكر أصالة نصري التي كشفت سبب انفصالها عن زوجها السابق، المخرج طارق العريان وذلك خلال لقاء لها مع برنامج «حبر سري» قائلةً: لا أعرف عدد المرّات التي تعرضت للخيانة فيها... في أوّل مرّة لم أكن أعرف ماذا سأفعل في هذا الموقف وتغاضيت عنه.
القصّة لا تكمن بالخيانة الروتينية للرجال، بل في أنّ طارق قرّر استغلال موقعه وامتيازاته واستخدام سلطته لـ«ينتقم» من أصالة، فهدّدها بحذف المزيد من أغنياتها عن «يوتيوب» مثل: «خانات الذكريات»، «الورد البلدي»، «عايشة ع اللي فات»، إضافة إلى ألبومَي «مهتمة بالتفاصيل» و«شخصية عنيدة»، وذلك بعدما حذف سابقًا أغنية «60 دقيقة حياة» مُدّعيًا امتلاكه حقوق النشر والتوزيع.
تكشف هذه الحالة كيف يُعاد إنتاج السيطرة الذكورية في الفضاء الفنّي عبر أدوات «قانونية» ظاهريًا، لكنّها مشبعة بمنطق الوصاية. فالرجل لا يكتفي بإنهاء العلاقة، بل يسعى إلى إعادة فرض سلطته بعد الطلاق، عبر التحكّم بالذاكرة الفنّية، والحضور الرقمي، والإرث المهني للفنّانة. وفي المقابل، تُدفع أصالة إلى موقع الدفاع المستمرّ عن حقّها في أعمال قدّمتها بصوتها وجهدها، لكنها لا تمتلك السلطة الكاملة عليها.
الأخطر في هذه القصة هو تعامل جزء من الجمهور ووسائل الإعلام معها بوصفها «خلافًا شخصيًا» أو «نزاعًا قانونيًا»، متجاهلين البعد الجندري للعنف الممارَس. هذا التبسيط يُفرغ التجربة من سياقها البنيوي، ويُساهم في تطبيع فكرة أنّ من حق الرجل استخدام النفوذ المهني لمعاقبة النساء.
مقالٌ واحد لا يتّسع لكلّ الفنانات اللواتي تعرّضن لعنفٍ ممنهج من قِبل الرجال سواء أكان رمزيًا أم جسديًا– إلى حدٍّ قد يصل للقتل. لم أكتب كل ما كتبت لأنزع عنهنَّ امتيازاتهنهَ مقابل نساءٍ أخريات لم تملك قصصهنَّ فرصة الظهور إلى العلن حتى، إذ عُنّفنّ وعُذّبن وقُتلن في الخفاء من دون أن نعرف أسماءهنّ. لكنّه محاولة للقول إنّ حتّى النساء ذوات الامتيازات في مجتمعاتنا، لا يستطعن أحيانًا الوقوف أمام سلطة أكبر وأعنف وذات توحّشٍ ممنهجٍ ومدروس، يُذكّر النساء كلّما صعدن درجةً أنّ هناك رجلًا يسبقهنًّ بامتيازاته وسلطته، وبيدِه دائمًا دفعهنّ عن السُلّم، نحو الموت أو الهاوية.