قضية الأسبوع بيئة
ميغافون ㅤ

جعيتا: آخر مراحل النهب 

8 تشرين الثاني 2025

تحوّل حفل مغارة جعيتا إلى قضية رأي عام بسرعةٍ فائقة. السبب، على الأرجح، هو أنّ ما جرى في المغارة ليس إلا نموذجاً مصغّراً لنهب ثروات هذا البلد من قِبَل فئة صغيرة ما عاد يُشبِعها أيّ شيء. نهبٌ بدأ بمداخيل المقيمين من خلال نظام الضرائب والأسعار، وانتقل لنهب مدّخراتهم من خلال المخطّط الاحتياليّ الذي قاده حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بالشراكة مع المصارف، وها هي الفئة نفسُها تنقضّ على ما تبقّى في هذا البلد المُفلِس من ثروات طبيعيّة تشكّل مغارة جعيتا إحدى جواهرها الثمينة.


ما الذي حدث في جعيتا فعلاً؟

كثر الحديث عن مسؤولية بلدية جعيتا ووزارة السياحة. لكن لنفهم ما حدث فعلاً، يجب أن نضيف إلى السلطة المحليّة والمركزية، لاعبين آخرين:

  • العروسان
    عريس إيطاليّ يُدعى أليكسندر ويدمان وعروس لبنانيّة تدعى سارة الشمّاس ارتأيا أن يُحييا زواجهما بسلسلةٍ من الحفلات، تحاكي إحداها أعراس مدينة البندقيّة العائمة على المياه. العروس التي تدرّجت في وظائفها بين رموز «الطبقة المخمليّة» في لبنان، اعتقدت أنّها باتت تمتلك ما يكفي من امتيازاتٍ للعبث بالملك العام وبالثروة البيئية لبلدها. وربّما ساهم والدها، وهو صاحب شركة تجارية عقارية، في تشجيع النظر إلى مغارة جعيتا كعقارٍ جاهز للإيجار مثله مثل سائر العقارات التي تطوّرها شركته.

  • منظّم الحفل
    ما كان طموح العروسين ليصبح واقعاً لولا وجود متعهّدي حفلات رهنوا حياتهم لتحقيق رغبات هذه الفئة من المجتمع. وهنا يأتي دور منظّم الحفل المدعوّ روبير هيكل المتمرّس بحفلات زفاف «الطبقة المخملية» إيّاها، من أبناء تجّار الماس الذين بنوا ثرواتهم بين لبنان وأفريقيا، إلى أبناء أرباب الفساد المحليّ كجهاد العرب، على سبيل المثال لا الحصر.

  • مُحيو الحفل
    استعان منظّم الحفل بما يسمّى أوركسترا «8eart»، وهي شركة ترفيه موسيقيّة، إضافةً لعازف البيانو ألف أبي سعد. لم تكتفِ الفرقة بالموافقة على إحياء حفل كهذا، بل نشرت أيضاً، على صفحتها على إنستغرام، الفيديوهات التي سوف تشكّل إدانةً للحفل. فربّما أرادت الفرقة لهذه الفيديوهات أن تسوّق لها، علّها تُدعى لإحياء حفلات مشابهة على أنقاض مغاور أو ثروات طبيعيّة أخرى. الطريف هو أنّ الفرقة عادت وحذفت أربعةً من الفيديوهات التسعة التي نشرتها، وهي تحديداً الفيديوهات الصاخبة المسيئة للمغارة، وتركت المقاطع «الهادئة». وفي هذا الحذف ما يشي بأنّ القيّمين على الصفحة والحفل استدركوا أنّ جزءاً وفيراً من عرضهم لم يراعِ الشروط المطلوبة.

  • البلديّة والوزارة
    وجدت رغبات العروسين صدىً طيّباً لدى بلدية جعيتا الساعية، أسوةً بسائر بلديات لبنان، لتحقيق مداخيل في زمن الإفلاس. وتواطأت البلدية ووزارة السياحة على تضييع المسؤولية عمّا حصل. فتذرّعت الأولى بتبليغ الوزارة شفهياً، وتذرّعت الثانية بأنّها لم تتبلّغ خطّياً. وضعت الوزارة نفسها «فوق التحقيق»، واكتفت بتوجيه إنذار إلى البلدية. لكنّ التواطؤ الخطر بين البلدية والوزارة ليس في تحديد المسؤوليات وحسب، بل في التشارك بنظرةٍ قاصرة إلى قطاع السياحة. تلك النظرة المستعدّة لارتكاب جرائم بحقّ ثروات لبنان الطبيعية من أجل تحقيق دولارات سريعة من السيّاح والمغتربين، بدلاً من الانطلاق من حماية الثروات الطبيعية والإيمان بأنّ هذه الثروة المصانة تشكّل نقطة قوّة للسياحة وللمقيمين على حدّ سواء. وقد عبّر رئيس البلدية أصدق تعبير عن هذه النظرة القاصرة حين برّر فعلته بقدرة الحفل على جذب خمسين سائحاً إيطالياً (من أصدقاء العريس وأقاربه على الأرجح)، مشيراً إلى أنّ الهدف الأساسي كان «تسويق المغارة وإبرازها عالمياً». لا بأس إذاً إن أسأنا إلى المغارة وسكّانها ما دامت هذه الإساءة ستحقّق لها شهرةً عالميّة.

نهب الطبيعة

ما جرى في مغارة جعيتا، وقبلها في مغارة فقمة الراهب في عمشيت، ليس حادثة معزولة عن السياق السياسي العام، بل هو جزء من مشهد النهب المنظّم لمصلحة الفئة المقتدرة مالياً. فما يصيب المغاور حالياً سبق أن أصاب الجبال التي نهبتها المقالع والكسارات. وقد بلغ الخبث بهذه الفئة التي يقبع جزء منها في السلطة ويقود جزء آخر منها البولدوزيرات، أن تحجّجت بإعادة الإعمار بعد العدوان الإسرائيلي الأخير كي تشرّع نهب الجبال. هذا بالضبط ما فعلته حكومة نجيب ميقاتي التي شرّعت الباب أمام فتح المقالع والكسّارات، من دون الحصول على تراخيص، ومن خارج المخطّط التوجيهي الذي يحدّد أماكن فتح الكسّارات والمقالع، بحجّة إعادة الإعمار. 
أمّا الحكومة الحاليّة التي ألغت على الورق تلك القرارات الفضيحة، فتطوّعت وزيرة البيئة فيها لإلغاء تحصيل الغرامات من أصحاب المقالع والكسارات غير القانونيّة. وحتّى هذه اللحظة، ما زالت الوزارة تتجاهل آلاف المقالع والكسارات التي تعمل من خارج المخطط التوجيهي، ومن دون أي ترخيص قانوني، ومنها تلك المتعدية على المشاعات والأملاك العامّة. 
البلد مفلس. الثروات نُهِبت. ولم يبقَ إلا الطبيعة لنتغنّى بها وندمّرها في الوقت نفسه، إمّا لجني الأرباح وإمّا لممارسة البذخ عبر إقامة حفل زفاف أو تشييد فيللا. هكذا يصدح المسؤولون في المهرجانات الغنائية «راجع يتعمّر لبنان» فيما المقالع والكسّارات تدمّره. وهكذا تُرفَع على طريق المطار لافتات الترحيب بالسيّاح فيما تُدمَّر المعالم السياحية تلبيةً لرغبات قلّة محظيّة قادرة بأموالها أو شبكات نفوذها على تنظيم حفلات كتلك التي شهدتها مغارة جعيتا، أو قادرة على الاستفادة من المشاريع المتعدية على الأملاك البحريّة.


بفضل عناد وشجاعة بعض الناشطين، توقّفت ورشة رولا بهنام فوق مغارة الفقمة في عمشيت. وبفضل الضغط الذي مارسه ناشطون آخرون، توقّف العبث بمغارة جعيتا. لكنّ كلّ هذه التدابير مؤقّتة، وقد تعود يدُ التخريب في أيّ لحظة ما دامت ثروات البلد الطبيعيّة معروضةً للبيع، تنتظر تاجر عقارات يبني فيللا لحديثي النعمة أو يقيم حفل الزفاف الأخير في بلد ينهار حجراً حجراً، مغارةً مغارةً، فقمةً فقمة. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً