تعليق سوريا
عمّار ديّوب

هل من مصلحة سوريّة في اتّفاق أمنيّ مع إسرائيل؟

1 تشرين الأول 2025

سقوط اتفاق فك الاشتباك

ينظّم اتفاق فك الاشتباك في عام 1974 العلاقة بين سوريا والدولة الصهيونية، ويتيح لسوريا التأكيد على حقها باستعادة الجولان المحتل منذ 1967، كما يحفظ لسوريا جبل الشيخ، وباستثناء المنطقة العازلة من الجهتين، يسمح للقوات السورية الانتشار في القنيطرة ودرعا وريف دمشق الغربي، أي يسمح بحماية دمشق كما يؤمّن حدود الدولة الصهيونية. وكان ذلك الاتفاق بإشراف دولي ومراقبة من قوات دولية.

كان هذا قبل لحظة 8 كانون الأول 2024، حيث تخلّت دولة الاحتلال عن الاتفاق، وتقدّمت بالأراضي السورية برًّا وجوًّا ودمرّت كل البنية العسكرية السورية. لم يُرسل أحمد الشرع الجيش إلى الحدود وتَرك القوات الصهيونية تتقدّم ببطء وهدوء، ودون أية اشتباكات، سوى مع بعض الأهالي. جوًّا، لم يتوقف سلاح الجو لدولة الاحتلال عن قصف المواقع العسكرية السورية، وكأنّها استغلت وصول هيئة تحرير الشام، المصنفة إرهابية وفقاً لمجلس الأمن الدولي، للتوغل وممارسة كل هذا الدمار والإذلال. فتماثل دولة الاحتلال بين حزب الله وحماس وهيئة تحرير الشام هو تهديد مبطن بتكرار 8 أكتوبر على الأراضي السورية. 

الآن، وعلى الأرض، القوات الصهيونية متقدمة، وتراقب ناريّاً حتى بادية السويداء، وتطمح لمدّ نفوذها إلى شرق سوريا. تريد السلطة في دمشق تجنيب سوريا المزيد من الاعتداءات الصهيونية، ولهذا تتجه نحو عقد اتفاقٍ أمنيٍّ، يخص المناطق التي تقدمت إليها، ويبدو من كثير من التسريبات الإعلامية، أن كامل سماء القنيطرة ودرعا والسويداء وحتى حدود دمشق ستكون منطقة أمنية، وستخلو نهائياً من السلاح الثقيل أو إمكانية وجود أيّة أنواع من سلاح الجو، المسيرات ضمناً، وربّما حتى من قوات وزارة الدفاع، والاكتفاء بعناصر وزارة الأمن أو «قوات حكومة مؤهلة ومدربة»، وفقاً لما ورد في «خريطة حل الأزمة في السويداء». التسريبات تؤكد أن التراجع سيكون بريّاً، ولكنها ستوسّع المنطقة العازلة، وستبقي جبل الشيخ بيد القوات الصهيونية. وبالتالي، إذا صحّت التسريبات، ستتحكم الدولة الصهيونية، بصيغة أو بأخرى، بكامل المحافظات الثلاث وريف دمشق الغربي، وبالتالي، لن تتمكن سلطة دمشق من اتخاذ أيّة سياسات أو قرارات تخص المحافظات الثلاث دون مراعاة السياسة الصهيونية في سوريا. النتيجة هنا، أنه لن يكون في سوريا جيش حقيقي، وسيكون أقرب لقوات شرطية، وأمنية. 


أخطاء الشرع

السؤال هو عن مصلحة سوريا باتفاق كهذا. تؤكد السلطة أن التوقيع على الاتفاق أمر اضطراري. لكنّ هذا غير صحيح. فهناك عدد من العوامل يجعل الأمر أكثر تعقيدًا. فمن جهة، ممنوع على الدولة الصهيونية إزالة السلطة السورية بقرار أميركي وخليجي، كونها تضبط الحالة الفصائلية، ولا سيما السلفية والجهادية. ومن جهة أخرى، كون هذه السلطة ذات خلفية سلفية، فهذا يعطي الدولة الصهيونية المبررات لمهاجمتها وفي أي وقت تشاء. في هذا الوضع المعقّد، كان هناك مصلحة لرفض الاستعجال بأي اتفاق أمني لا يماثل اتفاق 1974، والإصرار على سوريّة الجولان كذلك. وحسناً فعل أحمد الشرع بذكر ذلك في نيويورك، ولكن من الصعب أن يتمسك بهذا القول مع تكراره للحديث عن إمكانية عقد اتفاق أمني جديد، وذلك مراعاة لتخوفات الدولة الصهيونية، كما يقول هو ذلك.

هذا من حيث التوقيت. أمّا في ما يخصّ الوساطات، فكان يجب على الاتفاق الأمني ألّا يكون بواسطة أميركية أو أردنية أو فرنسية أو روسية، بل بين العسكريين من سلطة دمشق والدولة الصهيونية، وألّا ترفعه سلطة دمشق إلى مستوى وزير الخارجية الذي لم يلتقِه مثيلُه الصهيوني. إن سلطة دمشق باستسهالها الحديث عن الاتفاق الأمني وإتاحتها للتدخل الدولي بالأمر، سهلت الحديث الإعلامي عن إمكانية لقاء بين الشرع ونتنياهو على هامش لقاءات الأمم المتحدة، وهو ما لم يحدث، ما أضعف موقفها التفاوضي. 

كما كان يجب الفصل الكامل بين إمكانية عقد الاتفاق الأمني، المطابق لاتفاق 1974، وأي محادثات تخصّ السلام بين الدولتين. لكن يبدو أنّ سلطة دمشق تتجه نحو ذلك، وهو ما لم ينفِه الشرع في نيويورك. عطلت الحكومة الصهيونية عقد الاتفاق الأمني في نيويورك بإضافة بند فتح ممر «إنساني» إلى السويداء، كما تقول رويترز، ويشير ذلك إلى عدم رغبتها بعقده من أصله، وأن سلطة دمشق هي «الراكضة» خلف توقيعه، لأسباب تتعلق بتحييد الدولة الصهيونية، وربما تأمين الدعم لها في نيل الشرعية لتحكم سوريا لعقود مستقبلية. 

لكن هناك سؤال جدير بالتوقف عنده: هل يحق لسلطة انتقالية (غير دستورية وغير شرعية) التوقيع على اتفاقية للسلام؟ مع ذلك، اتفاق السلام سيكون كارثة على السلطة، مع استمرار الدولة الصهيونية بالحرب الهمجية ضد غزة، ومع رفض الأغلبية السورية له، وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة.


تسليم السيادة السوريّة

ينشط إعلاميّو السلطة بالدفاع عن رؤيتها للاتفاق الأمني، آنطلاقًا من أن اتفاق 1974 تضمّن كذلك مناطق خالية من السلاح ولمسافات طويلة داخل سوريا. ولكن القضية الآن، أن الدولة الصهيونية ساعية إلى التحكم بدمشق، وبالتالي بكل سوريا، وتحجيم دعم تركيا وحتى دول الخليج لسلطة دمشق. وهنا المشكلة الحقيقية. تتوهم سلطة دمشق أنها، بعد التوقيع على الاتفاق، ستكون بمأمن من الهجوم الصهيوني عليها. هذا تفكير سطحي للغاية. فالدولة الصهيونية، وخاصة بعد 7 أكتوبر، لا يمكن أن تثق بجماعة سلفية أو رئيس قادم من جماعة كهذه، فكيف والوضع السوري، فيه كل هذه الفصائل، وفيه جماعات جهادية ضمن وزارة الدفاع، وخارجها. إن عمليات التصفية الجارية من غزة إلى اليمن وفي لبنان لن تترك السلطة السورية خارج الاستهداف.

المشكلة الآن أنّ «خارطة طريق لحلّ الأزمة في السويداء واستقرار جنوب سوريا»، والتي وَقّعت عليها السلطة السورية، ومن عنوانها هذا، فهي ليست خاصة بالسويداء بل بكل الجنوب السوري. وفي بندها الثاني عشر تقول «تعمل الإدارة الأميركية وسلطة دمشق على التوصل لتفاهمات أمنية مع إسرائيل حول الجنوب السوري تعالج الشواغل الأمنية المشروعة لكل من سوريا وإسرائيل». يشير هذا البند إلى تدخّلٍ صهيونيٍّ في كامل الجنوب السوري، ومن هنا التحذيرات أعلاه، من الاتفاق الأمني المزمع عقده. إنها تعطي للدولة الصهيونية الحق بالتدخل بأمور سيادية. هناك خطأ كبير ترتكبه السلطة باستدعاء الخارج، لحل المشكلات الداخلية، وهناك دور خطير للمبعوث الأميركي توم برّاك بهذا الإطار، وهو الذي سيصون مصالح الإدارة الأميركية والصهيونية أكثر من مصالح السلطة أو السوريين. ولهذا لم تنتج تدخلاته، منذ تعيينه مبعوثاً لترامب، حلاً لأيّة قضية سوريّة.

إن التحديات كبيرة أمام الجماعة الحاكمة في دمشق. والحل الوحيد هو في تغيير سياسات الجماعة الحاكمة والذهاب نحو مشروع وطني، يشارك فيه كافة السوريين، بتنوعهم العرقي والديني والسياسي والاقتصادي والثقافي، وضمن التعددية السياسية والتشاركية في إدارة السلطة والدولة. ربّما كان ذلك سيدعم السلطة في مواجهة الضغوط الأميركية والصهيونية والإقليمية، وبما ينهض بسوريا والسوريّين.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
عمولات المصارف: أسهم البنكرجيّة ترتفع، والودائع تُشطَب 
12-11-2025
تقرير
عمولات المصارف: أسهم البنكرجيّة ترتفع، والودائع تُشطَب 
حدث اليوم - الأربعاء 12 تشرين الثاني 2025
12-11-2025
أخبار
حدث اليوم - الأربعاء 12 تشرين الثاني 2025
«حرّاس الجبل»
12-11-2025
تقرير
«حرّاس الجبل»
حماية مسافر يطا بوجه المستوطنين
4 شهادات موثّقة 
تعليق

العصا بلغةٍ جديدة

دارين أبو سعد
ترامب يطالب الرئيس الإسرائيلي بالعفو عن نتنياهو