تعليق مخيّمات
ميشال وزان

من يستحقّ الموت؟ 

قضية المخدّرات وشرعَنَة العنف

4 تشرين الثاني 2025

الفتنة الأهليّة والمخدّرات

في مساء السادس والعشرين من تشرين الأول، قُتل شاب في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين على حاجز تابع للّجان الأمنية الفلسطينية. بعد ساعات من وقوع الجريمة، تحوّلت قضية مقتل إيليو أبو حنا إلى مسألة رأي عام، تتراوح سجالاتها بين قضية «السلاح المتفلّت» الذي يحتاج إلى ضبط وسحب، ومسألة «أوكار المخدرات» التي تحتاج إلى سحق وقمع وقبع. 

كيف دخلت المخدرات إلى حادثة مقتل إيليو أبو حنا، وكيف تمّ استخدامها كسلاح لتبرير الخطابات الطائفية وانزلاقاتها العنفية؟

منذ اللحظة التي أُعلن فيها عن مقتل إيليو، بدأت تنتشر روايات حول سبب وجوده في مخيم شاتيلا. كانت الرواية الأوّلية تقول إنّه ضيّع طريقه ووجد نفسه في داخل المخيم. لكن سرعان ما برزت رواية أخرى، ربطت وجوده بالمخيم بشراءه المخدرات، كالسبب «المنطقي» الوحيد لوجود شاب مسيحي في مخيم فلسطيني. ودفعت هذه الرواية والديْه إلى طلب إجراء فحص سموم لإثبات أن ابنهما كان «نظيفًا». لكن الرواية ترسّخت، وأصبحت قضية قتل الشاب مرتبطة بتجارة واستخدام المخدرات. فصُوّرت المخيمات الفلسطينية كـ«أوكار للمخدرات»، والمسيحيون كمستهلكين يتدفقون إلى المخيمات بحثًا عن «جرعتهم التالية».


الهلع الأخلاقي

جمعت المسألة كلّ الجوانب المطلوبة لتفجير لحظة «هلع أخلاقي» اجتاحت المجتمع. الهلع الأخلاقي هو حالةٌ من القلق أو الذعر العام، حيال قضايا يعتبرها المجتمع تهديداً للأخلاق أو القيم أو الرفاه أو مصالح المجتمع، أو طبقات منه. فإلى جانب مسألة وجود سلاح غير شرعي وحواجز فلسطينية داخل المخيمات، والتي تشكّل أصلًا مصدر خوف عند كثيرين، ظهرت أيضًا المخاوف الاجتماعية المرتبطة بـ«آفة المخدرات» لتفجّر الهلع الذي أحاط بهذه الحادثة. أدّى ذلك إلى تكريس فكرة أن المخيمات الفلسطينية هي أماكن تحتاج إلى ضبط وقمع، لا لأسباب سياسية وحسب، كما هو شائع، بل أيضًا لارتباطها بالمخدرات. 

ساهمت القنوات الإعلامية في تغذية هذا الهلع الأخلاقي، إذ ربطت في تقاريرها بين مقتل إيليو أبو حنا وأحداث أخرى في المخيمات، منها مقتل شابة على يد شخص لبناني داخل مختبر لصناعة المخدرات في المخيم أو اكتشاف أوكار لتجّار المخدرات. وفي الوقت نفسه، امتلأت وسائل التواصل الإجتماعي بمقاطع مصوّرة داخل المخيمات من قبل «حرّاس مدنيين» يصوّرون أشخاصًا يُزعم أنهم يحاولون شراء المخدرات في المخيم. وركّزت هذه المقاطع على «مسيحية» الأشخاص من خلال إظهار الصليب الذي كانت تضعه امرأة، أو ذكر أن احد الرجال التائهين في المخيم آتٍ من منطقة جونية.

قسّمت هذه الرواية التجار والمستخدمين على أسس طائفية، فصوّرت المستهلكين المسيحيين كضحايا المخدرات، والفلسطينيين كمروّجين لها. كما رسّخت صورة المخيم كخارج عن أي سلطة، بحجة أن هذه المختبرات وُجدت طوال الوقت دون رقابة أو منع من الفصائل الفلسطينية. وتأتي هذه السردية في سياق الاتفاق الأخير لنزع سلاح المخيمات الفلسطينية الذي بدأ تطبيقه في شهر أيلول الماضي.

ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها استخدام المخدرات كمصدر للهلع الأخلاقي. فقد استُخدمت «آفة المخدرات» مرارًا لتفسير العنف أو الجرائم: «أكيد كان متعاطى»، «هيدا مدمن»، «المدمنين بيرتكبوا الجرائم، بيقتلوا وبيسرقوا»، عبارات كثيرًا ما تُُردّد عند الحديث عن حوادث السير أو العنف الأسري أو غيرها من الجرائم. لكنّ المخدرات استُخدمت أيضًا كسلاح لتشويه سمعة الأفراد، من متظاهرين إلى صحافيين، لتحريض الرأي العام ضدهم، أو لتهميش مجموعات ومجتمعات مثل اللاجئين وأفراد مجتمع الميم-عين، بل وأحيانًا لتبرير ممارسة العنف ضدهم.


العنف والمخدّرات

لطالما كان العنف عنصرًا أساسيًا في الردود على مسألة المخدرات— من «الحرب على المخدرات» إلى الممارسات القمعية مثل التوقيف والاعتقال بحق الأشخاص الذين يستخدمونها. وقد ارتبط العنف بهذه المسألة بطرق مختلفة، شرعنَت الاستخدام المفرط للقوّة في أي موضوع يتعلّق بالمخدرات.

في 34 دولة حول العالم، تُستخدم عقوبة الإعدام ضد الأشخاص المُدانين بتجارة المخدرات. وفي السنوات الماضية، شهدت الفلبين عمليات قتل ميداني استهدفت أشخاصًا يستخدمون المخدرات خلال ولاية دوتيرتي. أما في الأسابيع الأخيرة، فقد شهد العالم مقتل ما يقارب 150 شخص في أحياء ريو دي جانيرو الفقيرة خلال مداهمة دامية نفذتها الشرطة ضد تجار المخدرات، إلى جانب استخدام الولايات المتحدة للطائرات المسيّرة مرارًا خلال شهرَيْ أيلول وتشرين الأول لاستهداف قوارب يُزعم أنها تحمل المخدرات في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، ما أدى إلى مقتل أكثر من 60 شخصًا. وهذا ما اعتبره مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان انتهاكًا للقانون الدولي، قبل أن تهدّد الولايات المتحدة بعمليات داخل الأراضي الفنزويلية تحت شعار «الحرب على المخدرات».

العنف هو ميزة التعامل مع كل من هو مشتبه به في قضايا متعلقة بالمخدرات، ويُعتبر مبرَّرًا من قِبل مجتمعاتنا.

في آب 2025، قُتل أحد أبرز تجار المخدرات في لبنان، أبو سلّة، خلال عملية عسكرية هدفت إلى توقيفه. فبعد اشتباكات مسلحة أثناء محاولة القبض عليه وفراره بسيارته، استهدفته طائرة مسيّرة تابعة للجيش اللبناني وقتلته مع راكبين آخرين — في مفارقة تذكر بالتقنيات الإسرائيلية في غاراتهم على لبنان. وشدّد الجيش، في بيانه الرسمي، على أنّ أبو سلّة عمل على مدى سنوات على ترويج المخدرات وسمومها بشكل واسع في مناطق لبنانية مختلفة، ما أدى إلى انجرار الآلاف من الأفراد، ولا سيما الشباب، وراء الجريمة، في تبرير ضمني لقتله. وقد احتفل الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الحدث. 

في هذا الربط الضمني بين العنف والمخدرات، يبرز سؤال أساسي: من الذي يستحق أن يُمارس عليه العنف، ومن الذي يحميه القانون؟

تهدف محاولات تصوير إيليو أبو حنّا كشخص يستخدم المخدرات إلى تبرير مقتله أو على الأقل إلى تحميله مسؤولية قتله. وينطبق المنطق نفسه على مقاطع الفيديو التي تُظهر أشخاصًا يعانون من اضطرابات استخدام المخدرات، وتُستخدم للتشهير بهم ومعاقبتهم اجتماعيًا. فهؤلاء الأشخاص يتعرّضون لأشكال مختلفة من العنف، رغم أن القانون اللبناني نفسه يعترف بأن استخدام المخدرات مسألة تتعلق بالصحة العامة، ويمنح المتهمين باستخدامها الحق بالعلاج كبديل عن العقاب. وبالمثل، فإن الرواية التي تصوّر المخيمات الفلسطينية كـ«أوكار للمخدرات» تهدف أيضًا إلى تبرير ممارسة العنف ضد سكانها. ففي المخيلة العامة، تعمل المخدرات كحدٍّ فاصل بين من يُعتبر مستحقًا للعنف— حتى خارج إطار القانون— ومن يُعتبر محميًا منه.


«الحرب على المخدّرات» وشيطنة المستخدِمين

هذا الربط بين العنف والمخدرات ليس جديدًا. وربّما يجد أوضح تجليّاته في عبارة «الحرب على المخدرات» التي شكّلت المسودة الأولى لـ«الحرب على الإرهاب». فمنذ أكثر من نصف قرن، ولبنان منخرط في هذه الحرب، غالبًا استجابةً لمطالب الدول المانحة. وقد استمرّ ذلك في العهد الحالي، إذ تعهّد رئيس الجمهورية الجديد بمواصلتها في خطاب قَسَمه الرئاسي— حتى خلال العدوان المستمر على لبنان. ففي عام 2025، نشر الجيش اللبناني على موقعه الإلكتروني 126 بيانًا مرتبطًا بتوقيفات أو مصادرات أو عمليات قتل متصلة بالمخدرات، فيما نشرت قوى الأمن الداخلي نحو 50 بيانًا مماثلًا.

لكنّ الحرب على المخدرات لا تقتصر على العنف الجسدي. فقد تكون اقتصادية أيضًا، كما في حملات تلف الأراضي المزروعة بنبتة الحشيشة في لبنان، والتي يعتمد عليها آلاف المزارعين وعائلاتهم كمصدر رزق. وحتى بعد إقرار القانون 178/2020 الذي شرّع زراعة القنّب، يستمر هذا العنف من خلال استبعاد المزارعين التقليديين من السوق القانونية الجديدة، ما يجبرهم في النهاية على البقاء ضمن الاقتصاد غير الشرعي. هذا الشكل من الإقصاء عن سبل العيش القانونية يعكس الممارسات الإقصائية نفسها التي تمارسها الدولة اللبنانية ضد اللاجئين من حيث فرص العمل والانضمام إلى النقابات والوصول إلى مصادر الدخل المستدام.

تغليف قضية المخدرات بلغة «الحرب» حوّل التعامل معها إلى استعراضٍ لسيادة الدولة. فأصبحت ملاحقة المخدرات إحدى الطرق القليلة التي يمكن للدولة من خلالها إعادة فرض سلطتها وهيبتها— وهي قضية لا تُقسّم الرأي العام، لأن المخدرات ليست مجرّمة قانونًا وحسب، بل محمّلة أيضًا بأحكام أخلاقية: يُنظر إلى مَن يستخدمها كضعيف، وإلى مَن يتاجر بها كشرّير وغير أخلاقي.

ومن النتائج السلبية لهذه المقاربة، تشريع العنف وتطبيعه. إذ يسمح توجيه الخطاب العام حول المخدرات للناس بقبول، بل والمشاركة في، تصريحات ومطالب متطرفة— مثل تساؤل الإعلامي مارسيل غانم في برنامجه عن عدم هدم مخيم شاتيلا عن بكرة أبيه من قبل الدولة اللبنانية، أو المقالات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تُحمّل الفلسطينيين جميعًا مسؤولية الجرائم التي يرتكبها أفراد داخل المخيمات.


ربط المخدرات بالعنف يساهم بشيطنة الأشخاص الذين يستخدمون المخدرات، ما يجعل أي مقاربة عقلانية أو متعاطفة تجاه هذه المسألة شبه مستحيلة.

ويعيدنا هذا إلى السردية الأولى حول وجود إيليو أبو حنا في مخيم شاتيلا: لو كان إيليو هناك لشراء المخدرات، فهل كان يستحق الموت؟ 

على الرأي العام أن يتجنّب الوقوع في فخ «تسليح» قضية المخدرات، وأن يبقى يقظًا تجاه ما تخفيه هذه السرديات وما تُنذر به.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
شكوى ضدّ مايكروسوفت بتهمة تخزين بيانات استخدمها الجيش الإسرائيلي
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي