في خطوةٍ مثيرة للشفقة، تقدّم نائب لبناني بشكاوى لدى مكتب جرائم المعلوماتيّة ضدّ عشرات الحسابات والصفحات دفعةً واحدة، بينها منصّة ميغافون، كونها نشرت أو شاركت مادّةً تنتقد دوره في تعميق الأزمة الماليّة وتداعياتها على لبنان، خدمةً لأصحاب المصارف.
تثير الخطوة الشفقة لأنّها تعطي فكرةً عن الاضطراب الذي يصيب هذا النائب، وكثيرين سواه من العاملين في الشأن العام في لبنان، حين يواجَهون بصورتهم الحقيقيّة. فلطالما ساد الشعور لدى هذا النوع من السياسيين التابعين للوبي المصارف أنّ أعمالهم غير مرئيّة، وأنّ بإمكانهم التلطّي وراء ادّعاء المصلحة العامّة لإخفاء أدوارهم القذرة.
قرّرنا، في ميغافون، أن نساعد هذا النائب كي يواجه حقيقة نفسه، وأن ننسحب نحن من المشهد، ونترك أمر إدانة النائب ابراهيم كنعان للنائب ابراهيم كنعان نفسه، وبلسانه. لذلك سنتركه يعبّر بنفسه عن طبيعة المصالح التي خدمها منذ بدايات الأزمة، ما أفضى إلى إجماع كتل الطوائف على التجديد له رئيساً للجنة المال والموازنة، حتّى بعدما لم يعد يمثّل أي كتلة وازنة داخل المجلس.
1. «اللي كان خطأ فيها هوي التحليل. بمعنى الذهاب إلى القول أنه فيه، انهيار اقتصادي وشيك في لبنان، واللي هيي مش مزبوط! بالعكس!»
ابراهيم كنعان، أم. تي. في.، 07 أيلول 2018.
جاء هذا التصريح قبل قرابة سنة من حصول الانهيار المالي، وأراد كنعان منه الردّ على مقال نشرته صحيفة «ذا إيكونوميست». يومها، أثار المقال سخط النخب الماليّة في البلاد، بعدما سلّط الضوء على مجموعة من المؤشّرات التي تدل على اقتراب حصول أزمة اقتصاديّة خانقة، مثل ضعف النموّ وتنامي العجز وارتفاع حجم الدين، فضلاً عن العيوب البنيويّة في الاقتصاد اللبناني المُفرط في تركيزه على قطاعيّ المال والبناء. في تلك المرحلة، كانت تصريحات كنعان خير تعبير عن واقع المُستفيدين من النموذج الاقتصادي القائم، الذين ظلّوا يرفضون حتّى آخر لحظة استباق الأزمة بأي إجراءات تصحيحيّة طارئة.
2. «لبنان عندو تغطية، مهمّة وجدّاً قيّمة، لموضوع الليرة (...) ما عندك مشكل!»
ابراهيم كنعان، أم. تي. في.، 22 شباط 2019.
أدلى كنعان بهذا التصريح في الفترة التي بدأت تبرز فيها تحذيرات من فجوة خسائر آخذة بالتكوُّن في مصرف لبنان، على حساب أموال المودعين. كان رياض سلامة آنذاك يبدّد أموال الودائع الموجودة في مصرف لبنان، بهندسات ماليّة قدّمت أرباحاً خياليّة لأصحاب المصارف، وكان الفارق ما بين التزامات المصرف المركزي وما تبقى من موجودات يتّسع بسرعة. لكنّ رياض سلامة وكبار المصرفيين سوّقوا لرواية تركّز على استدامة هذه السياسات السامّة، وعلى أهميّة الاحتياطيات المتبقية كتغطية للّيرة. وكان كنعان، كخادم أمين لهذه الطبقة من المصرفيّين، يردّد تلك الشعارات بخبث العارف بخوائها.
3. «إنو لأ ما في خوف على الليرة، أبداً، استقرار عنّا، كتّر خير الله على الليرة».
ابراهيم كنعان، المستقبل ويب، 28 آب 2019.
لهذا القول المأثور خصوصيّة لا يمكن التقليل من شأنها. فهو جاء قبل أقلّ من شهرين على انفجار الأزمة المصرفيّة، وفي فترة شهدت بدء هبوط سعر صرف الليرة في السوق الموازية. ولم يكن هناك من يردّد شعار «الليرة بخير»، لصاحبه رياض سلامة، إلّا من كان يتعمّد تضليل اللبنانيين وإرجاء لحظة التعامل مع تبعات الأزمة المقبلة. لا يوجد تفسير بريء لتصريح من هذا النوع، وخصوصاً إذا كان قائله سياسيّاً يملك منصباً له طابع مالي في مجلس النوّاب.
4. «ما في شي بيمنع بالمطلق هيك تحويل الأموال، اقتصادنا حر، التبادل بينا وبين أي دولة أو نظام آخر، هوي حرّ»
ابراهيم كنعان، الجديد، 29 كانون الأوّل 2019.
وقعت الأزمة، وكان من المفترض أن يُقَرّ قانون طارئ لضبط التحويلات إلى الخارج، أي ما بات يُعرف لاحقاً بالكابيتال كونترول، لمنع تهريب الأموال استنسابيّاً لمصلحة قلّة من النافذين. وكانت لجنة إبراهيم كنعان، المال والموازنة، هي اللجنة المسؤولة عن مناقشة مشروع القانون، قبل إحالته بسرعة إلى الهيئة العامّة. هذا التصريح أعلاه يعكس نوعيّة الشعارات التي تمسّك بها كنعان وأمثاله، لمنع إقرار قانون من هذا النوع. تُركت المصارف حرّة في تحويل الأموال استنسابياً لمن تشاء، فيما اصطفّ سائر المودعين في طوابير طويلة لسحب الفُتات من أموالهم. وبقي إبراهيم كنعان ينعم سعيداً بالاقتصاد الحرّ حيث اقتصرت الحرية على أصحاب النفوذ الذين تمكّنوا من تهريب أموالهم.
5. «تأخُّر الكابيتال كونترول فشل حكومي، وهناك أموال حُوِّلت إلى الخارج.»
ابراهيم كنعان، الوكالة الوطنيّة، 12 نيسان 2021.
بحلول الربع الثاني من العام 2021، كانت المصارف قد هرّبت ما أمكن تهريبه من أموال للمحظيّين وأصحاب النفوذ. وكانت دعاوى المودعين قد بدأت تتراكم في لبنان والخارج، فاحتاج القطاع المصرفي إلى غطاء قانوني لتبرير حبس الودائع ومنع صدور أحكام قانونيّة ضد المصارف. باتت المصارف هي التي تحتاج الكابيتال كونترول الآن. تذكّر كنعان هنا أهميّة الكابيتال كونترول، كما يبدو من هذا التصريح، واصطفّ إلى جانب مَن يطالب به. وبسحر ساحر، لم يعد الاقتصاد الحرّ أولويّة.
6. «هذه اللجنة تشكّلت بهدف واحد، وهو محاولة توحيد الأرقام والمقاربات.»
ابراهيم كنعان، مجلس النوّاب، 17 حزيران 2020.
كرئيسٍ للجنة المال والموازنة، أشرك كنعان رياض سلامة وجمعيّة المصارف في اجتماعات لجنته من أجل «توحيد» أرقامهما مع أرقام الحكومة، عوض أن يكون رياض سلامة محلّ استجواب لدوره في تزوير ميزانيّات المصرف المركزي، كما بيّن تقرير التدقيق الجنائي لاحقاً. أمّا المصارف، فكان يُفترض أن تُعامَل كمُفاوض يدافع عن مصالحه لا كشريك في صياغة الأرقام. في النتيجة، تبنّت لجنة كنعان مجموعة من الأرقام والمقاربات التي قدّمها سلامة وجمعيّة المصارف، وخصوصاً تلك التي تتحايل محاسبياً لتفادي الاعتراف بالخسائر.
طيّرت لجنة كنعان خطّة الحكومة، بعدما تبيّن أن كتل المجلس متراصّة إلى جانب كنعان والمصارف، ولا أمل بتنفيذ مقاربات الحكومة. الآن، صرنا نعرف أنّ الأرقام التي قدّمها سلامة لم تكن سوى وهْمٍ وسراب، لكنّنا أضعنا ستّ سنوات من الأزمة الماليّة الممتدّة.
7. «منذ اليوم الأوّل، كان معروف، أنّه هذا العقد اللي معمول، اللي مع آلفاريز، هذا يخضع للقوانين اللبنانيّة، قانون النقد والتسليف ما بيعطي الشركة، إمكانية أنه تفوت على الحسابات كلها. لأنه مشمول بسريّة مصرفيّة شديدة جداً.»
ابراهيم كنعان، أو. تي. في. 28 تشرين الأوّل 2020.
جاء هذا التصريح في المرحلة التي ناور فيها رياض سلامة لتفادي تقديم المستندات المطلوبة لشركة آلفاريز آند مارسال، التي فوّضتها الحكومة إجراء التدقيق الجنائي في مصرف لبنان. كان المطلوب من هذا التصريح إعطاء غطاء قانوني لتمنُّع الحاكم عن التعاون مع هذا التدقيق، بذريعة موجبات السريّة المصرفيّة. وكما هو معلوم، لم تتمكّن شركة التدقيق لاحقاً من الحصول على معظم المعلومات التي طلبتها من مصرف لبنان، ما جعل تقريرها مقتصراً على تدقيق أولي لم يُستكمل بعد.
من إنكار الأزمة، إلى تسهيل تهريب الأموال، إلى حماية المرتكِبين… هذا هو سجلّ ابراهيم كنعان كما يرويه ابراهيم كنعان. فعسى ابراهيم الأوّل يشكو ابراهيم الثاني لدى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة، ويوفّر على نفسه إضاعة وقته ووقت غيره.