تحليل انفجار المرفأ
نادر فوز

نظام الحرب الأهليّة وانفجار المرفأ

23 حزيران 2022

نظام الحرب الأهلية

23 كانون الأول 2021- 23 حزيران 2022: 6 أشهر من التعطيل المتواصل للتحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت.

هذا ليس نتيجة مصالح فئوية أو خربطة إدارية. هذا نتيجة نظام الحرب الأهلية وطريقة حكمه. 

نظام الحرب الأهلية ليس مجرّد نظام يسيطر عليه أمراء الحرب من خلال سلطة العنف الأهلي. هو نظام يقوم على ابتزاز الناس، إمّا الخضوع للنظام والخروج من السياسة، أو معارضته من خلال أدواته، أي التحوّل إلى ما يشبهه. فليس من خارج لهذا النظام حسب منطقه. 

يتجلّى هذا المنطق بطريقة التعاطي مع انفجار المرفأ، حيث يطرح النظام أمام الناس الخيار التالي: إمّا الخضوع للتسوية الذي يقدّمها النظام أو العنف.


البداية مع استحالة العدالة

183 يوماً من الوقت الضائع، أعاقت فيه السلطة السياسية التحقيق وعطّلته. 

اتّسع لها الوقت لهندسة جدول أعمالها للإفلات من العقاب. وضعت الخطة والتوقيت والقدرات لرسم طريق العودة إلى البرلمان. عرقلة قضائية وطلبات ردّ ونقل ودعاوى مداعاة، لمنع العدالة. وخلالها أيضاً، تهديدات سياسية وضغوط أمنية. وقتلى في الشارع، على بعد 900 متر فقط عن قصر العدل. طورت السلطة خطتها لعرقلة التحقيق، وجاء تتويجها بعودتها إلى المجلس، وفق التحالفات نفسها وبالوجوه نفسها، حتى تلك المتَّهمة بانفجار 4 آب. 

حتى تلك المُدانة في جريمة العرقلة والتعطيل.


بعد الاستحالة، التسوية المفروضة

بعد شهر من لملمة الزجاج والركام، بعد شهر من جمع الأشلاء من بين الأنقاض، جاءت التسوية التي تقدّم بها نظام الحرب الأهلية للّبنانيين: 

حادثة عادية تحصل ولا تحتاج إلى أكثر من 5 أيام من التحقيقات، وفق حسابات وزير الداخلية السابق. 
قضاء وقدر، كما قال وزير الصحة السابق. 
رسالة حصار، كما قال نائب رئيس مجلس النواب السابق. 

قدّم النظام تسويته، وهي قائمة على الإهمال الوظيفي، أي محاسبة صغار «الكَسَبة»، بين سائر مكوّنات النظام، من موظفين وعناصر أمنية، وصولًا إلى ضباط ومدراء عامين في الجمارك والمرفأ، على أعلى تقدير. 

أما الرؤساء والوزراء والمجالس العسكرية، فجانباً. هيبتهم، من هيبة الأمة. رمزيّتهم، من رمزيّة الوطن. 


لا خيار إلّا الثأر

216 يوماً من الإيقاف القسري والمتعمّد: 183 يومًا من التعطيل المستمر، تضاف إلى 7 أيام من التعطيل بين أيلول وتشرين الأول الماضيين، و26 يوماً بين تشرين الثاني وكانون الأول.

خلاصة الـ216 يوماً هي أنّ العدالة ممنوعة، أو «ملغاة» كما يقول رئيس مجلس النواب. الضحايا لن يُنصَفوا والأهالي سيموتون قهراً. مبدأ المحاسبة مفقود، والحقيقة غائبة. من يريد عدالته، فليأخذها بيده: 

إن توجّه ابن ضحية من ضحايا انفجار المرفأ، أو أبوها أو ابنتها أو أمّها، إلى مكتب في ساحة النجمة، أو مقهىً في بيروت، أو مكان لتجمّع سياسي خارجها، وأطلق النار على مدّعى عليه في ملف المرفأ، سيكون ذلك جزءاً من العدالة التي يبحث عنها نظام الحرب الأهلية.

ليس هذا تحريضاً، بالطبع. أو قد يكون، ربّما. لكن الأكيد أنه ليس مقصوداً، ولا دفعاً في اتجاهه ولا حضاً عليه. لكن إن حصل ذلك، بعد عامين على ارتكاب المجزرة الكبرى، وعامين من العرقلة والذل والقهر، سيكون مفهوماً. أخلاقياً، قد لا يكون مقبولاً. ضدّ القتل. يمكن فهم القتل، في هذه الحالة، تفسيره، تشريحه.. على الأقلّ رداً على مَرمَغة أنف العدالة بالتراب، وأنوف مئات آلاف اللبنانيين أيضاً. 

لكن ضدّ القتل. 


العنف كإعادة إنتاج للنظام

النظام يريدنا قَتَلة، مثله. 

نظام الحرب الأهلية يريد إعادة إنتاج نفسه من خلالنا، بعد تحويلنا من ضحايا ومسحوقين إلى قَتَلة، مجرمين مثله. النظام يلوّح بحرب أهلية، يريدنا جزءاً منها، مشاركين فيها، لا ضحاياها فقط. يريد شركاء جدداً، يبعث روحه فيهم. هذا النظام يريدنا شركاء في منطقه: أن ندخل إلى شبكات فساده لتأمين أبسط الحقوق، أن نتقاتل مع بعضنا بعضاً للاستحواذ على آخر رغيف، أن نتحايل على بعضنا بعضاً للحصول على وظيفة… النظام يدعونا يوميًا إلى الدخول إليه، دعوة تضع أخلاقنا الشخصية في مواجهة حاجاتنا اليومية. 

وضعنا نظام الحرب الأهلية اليوم أمام خيار جديد: أن نصبح قَتَلة وشركاء له لكي نلبّي حاجتنا للعدالة، أو أن نصمت ونئنّ يأساً وإحباطاً أو هجرةً وتهجيراً. 

آخر الأخبار

غوغل لموظّفيها
الشرطة الإسرائيلية تعتقل الأكاديميّة نادرة شلهوب-كيفوركيان
الكونغرس يحاصر جامعة كولومبيا بتهمة التساهل مع معاداة السامية
السؤال الأبسط للخارجية الأميركية
ما فوق الإبادة
إعدام المخرّبين هو الحلّ لمعالجة مشكلة اكتظاظ السجون.