تعليق طوفان الأقصى
ميغافون ㅤ

الاستثناء الإسرائيلي» في وجه «إمكانية العدالة»

13 كانون الثاني 2024

مثلت إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، حيث تقدّمت جنوب أفريقيا بدعوى ضدها بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين في غزّة. تشكّل هذه المحاكمة نقطة تحوّل مهمة، وهذا بغض النظر عن نتائجها.

وقف إطلاق النار، الإبادة، شرعية النظام العالمي

تُعتبر هذه الدعوى الأولى من نوعها ضد سلطة الاحتلال. فمرافعة جنوب أفريقيا تشكّل أوضح لائحة اتهام قُدِّمت ضد إسرائيل حتى الآن، لتؤكد أن ما تقوم به إسرائيل في غزة هي أفعال «ذات طابع إبادة جماعية لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والقومية والإثنية الفلسطينية». قد يتطلب الأمر أشهرًا أو حتى سنوات لكي تتّخذ المحكمة قرارها بشأن هذه التهمة. لكن بات اليوم لتهمة الإبادة أسس قانونية ووجود مؤسستيّ، ستلاحق إسرائيل لفترة طويلة. 

لكنّ قبل الإقرار بتهمة الإبادة، قد تتّخذ المحكمة في الأيام المقبلة قرارًا بطلب جنوب أفريقيا وقف إطلاق النار، والذي إن أقرّ، سوف يشكّل أول قرار دولي ملزم، خاصة بعد عرقلة كل المحاولات السابقة من قبل حلفاء إسرائيل. أهمية قرار كهذا هو أنّه سيعرّض حلفاء إسرائيل، ولا سيّما الولايات المتحّدة، لملاحقات قضائية إن استمرّت بعرقلة المطالبات بوقف إطلاق النار.

لكن المحكمة لا تهدف فقط لتحديد طبيعة ما يجري أو الدفع نحو وقف إطلاق نار فوري. هي، في مكان ما، آخر محاولة لإعادة الاعتبار لترسانة المؤسسات الدولية وقراراتها. فمصير هذه المحاكمة سيحدّد مصير النظام المؤسساتي والقانوني الدولي، والذي بات على المحكّ مع استمرار الإبادة من دون أي رادع.  


«الاستثناء الإسرائيلي»

أهمية هذه المحكمة أنّها باتت تحدّد حدود «الاستثناء الإسرائيلي» في العلاقات الدولية. 

فمنذ بداية الإبادة، يتفتّت الدعم الذي حظيت به إسرائيل بعد عملية 7 أكتوبر ليصبح محصورًا بدعم حكومات غربية وبعض من الإعلام الغربي. فتصاعد وتيرة الإبادة من جهة، وازدياد عمليات الاعتراض عالميًا من جهة أخرى، كسرا «الاستثناء الإسرائيلي» الذي سمح لعقود باستمرار حكومات الاحتلال بسياسات «الفصل العنصري» والعنف الممنهج ضد الفلسطينيين. كما ازداد التوتر بين المنظمات الدولية والدولة الإسرائيلية التي رفضت الامتثال لأي من توصياتها، باعتبارها خارجة عن أي قانون دولي لكونها «استثناء»، لا تضبطه المعايير أو الاتفاقات. إلى ذلك، يُضاف أنّ إسرائيل أسّست لنفسها موقع «الاستثناء» أمام العالم بناءً على الفظاعات التي ارتُكبت بحقّ يهود أوروبا في القرن الماضي، عبر تصوير نفسها ضحية أبدية وحصرية للتاريخ، وعبر صياغة مفهوم «فرادة الهولوكوست».

يأتي مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لكي يحاول ضبط حدود هذا الاستثناء قانونيًا، بعدما تمّ نقده في الشارع والإعلام والرأي العام الدولي. كما تؤكد هذه المحاكمة الثمن الباهظ لهذا «الاستثناء» الذي بات يهدّد البنيان القانوني والأخلاقي للعلاقات الدولية. ومع تحوّل التشبيه بين فظاعات الهولوكوست وفظاعات إسرائيل في غزّة إلى أمر رائج، بل مطلوب، فإنّ «الاستثناء الإسرائيلي» يخسر بُعداً إضافياً، جوهرياً في تكوين إسرائيل نفسها.


فلسطين كإسم لـ«إمكانية العدالة»

اتّخذ تبرير صفة جنوب أفريقيا كالمدّعي في قضية إبادة شعب آخر حيّزًا كبيرًا من المرافعة. أكدّت جنوب أفريقيا أن صفتها نابعة من أنّ «التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة هي التزامات إزاء الجميع (أي المجتمع الدولي)، مما يمنحها الصفة بمقاضاة إسرائيل». واستندت جنوب أفريقيا إلى سابقة قانونية وهي إقرار المحكمة بصفة التقاضي للدول الأطراف في قضية غامبيا ضدّ ميانمار في العام 2022. 

لكن بعيدًا عن التبرير القانوني، والرابط التاريخي بين دولتين عانتا من نظام الفصل العنصري، يمكن اعتبار الدعوى اعترافاً بتحوّل فلسطين لإسم لـ«إمكانية العدالة»، أي وعد العدالة كمعيار ناظم للحياة السياسية. فلسطين باتت العنوان العينيّ لهذا المطلب المجرّد، القضية الملموسة التي تحدّد إمكانية العدالة في عالمنا. ربما لهذا السبب، تحوّلت فلسطين للشعار الموحّد لحالات اعتراض مختلفة حول العالم، رأت في هذه القضية نقطة التقاء وتكثيف لمطالباتها بالعدالة. 


العالم المقسوم والعرب

ينبغي التوقّف عند أنّ الدعوى جاءت من قارةٍ أخرى، فيما التزمت البلدان المجاورة لفلسطين نفسها الصمت أو ما يشبهه. فالدعم الواضح العربي الوحيد للدعوى جاء من الحكومة الأردنية (علماً أنّ مواقفها منذ بداية العدوان لا تصبّ إلى هذا الحدّ بصالح الشعب الفلسطيني). عدد آخر من البلدان العربية اكتفى ببيان عمومي يؤيّد الدعوى، صدر عن مجلس التعاون الإسلامي. وعدد آخر التزم الصمت. بالمحصّلة، لم تحشد المنطقة العربية ما يكفي للدفع بهذه الدعوى إلى الأمام— لا على مستوى الحكومات، ولا على مستوى الشارع.

هذا الخجل من تأييد دعوى بمثل هذا الوضوح، هو الترجمة العملية لعقود من السياسات التطبيعية، التي انتهت بمثل هذه الحكومات المرتهنة إلى هذا الحد بمصالح الغرب. حكومات لا ترى بفلسطين إلّا فرصة لتحسين موقعها الإقليمي، كمُفاوض أو مُحاصر، أو منتفع على الدم الفلسطيني. بهذا المعنى، منفعة الدعوى الدولية على المستوى العربي، أنّها تُعرّي هذه الحكومات أكثر، وتظهر عجزها أكثر، وتظهر ما كان ممكناً تحقيقه لو أنّ هذه الحكومات كانت متحرّرة من ارتهانها.

آخر الأخبار

المرفأ الأميركيّ في غزة يستعدّ للانطلاق
إفادات وتوقيفات جديدة تكشف عدداً إضافياً من الضحايا والمتورّطين
وزير الشباب والرياضة جورج كلاس يمتدح مغتصب أطفال
مليار يورو من أوروبا للبنان: اضبطوا حدودكم معنا
كولومبيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل
مجلس النواب الأميركي يوسّع تعريف «معاداة السامية» بشكلٍ يحمي إسرائيل